0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

الظلم وسقوط الدول وإنهيار الأمم وخراب الديّار

إن من أهم الأسباب وأعظمها في سقوط الدول وإنهيار الأمم وخراب الديّار هو ” الظلم ” لما فيه من القهر والفساد والتعدي بالخروج عن المبادئ الإنسانية من الأعراف المتبعة عند كل مجموعة من البشر يعيشون مع بعضهم البعض في مجتمعات وبيئات مختلفة متوافقون عليها وراضون بها وتسري عليهم جميعاً مبادئها وأحكامها بالإضافة إلى مبادئ وأحكام الشرائع السماوية والتي تساوي بين البشر في مختلف نواحي حياتهم بالحق والعدل والمساواة .

 

فعند تعريف الظلم كما جاء على لسان علماء الإسلام وفقهائه وما إتفق عليه الجمهور هو مجاوزة الحد ووضع الشيء في غير موضعه الشرعي ، وهو أيضًا عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل وفيه نوع من الجور، إذ هو إنحراف عن العدل . وهو محرم في شريعة الله تعالى ، حرمه سبحانه وتعالى على نفسه وعلى عباده ، وتوعد عز وجل الظالمين بعذاب أليم في الدارين (الدنيا والآخرة) ، وذلك لما له من عواقب وخيمة على الأفراد والمجتمعات والأمم . إذن فالظلم هو أمر منبوذ عقلاً وفطرة ومحرم شرعاً قبحهُ الله تعالى وذمه وتوعد عليه وحرمه على نفسه . وهو يُعد صفة نقص وضعف وهزيمة .

 

لهذا كثيراً ما تجد سبب زوال دولة ما ، زاد فيها التعدي على الحقوق والحريات الإنسانية المشروعة سواء الشخصية منها أو العامة وكثُر فيها الفساد حتى طال كآفة نواحي الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية وشاع فيها الإسراف في الظلم والقهر والعهر الغير مبرر مثل القتل والأسر والإعتقال ومنع الحريات المشروعة بدون حق ومثل توظيف ممن هم غير مؤهلون بأمور العباد وتنصيبهم في وظائف وأعمال وحقائب ليست من حقهم وأعلى من مستوياتهم العلمية والفكرية مما يفتح المجال لهم من نهب أموال الرعية العامة والخاصة ، ويسهل عليهم أخذ حقوق الغير بالقوة والعنجهية وبالنصب والإحتيال ، ويتيح للواسطة والمحسوبية في المؤسسات العامة للدولة والشركات والأعمال الخاصة والمساهمة في إنتشارها كالسرطان في الجسم لا تفرق بين من هو مؤهلاً لعمل أو وظيفة أو مهمة ما وبين جاهلاً لا يفقه بذلك المجال شيئاً . ومن أشد أنواع الظلم التمييز في التعامل بين الناس بحيث إنه إذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق الشريف تركوه ، فكأن هناك أفرادا من البشر هم أعلى درجة من البعض الآخر وكأنهم وعلى رؤوسهم علامة مميزة تميزهم عن باقي البشر وتجعلهم محاطين بحصانة تقيهم المعاقبة والمحاسبة عن شر أفعالهم وأعمالهم ومنع التشهير بهم ، إن قتلوا ، أو سرقوا ، أو زنوا ، أو فجروا ، لا يُقام عليهم الحدود أو يخضعوا للقانون وإن خضعوا يغض عنهم البصر ويتركون وربما يؤدبون بأدب معين ، كأن يسجن بفندق خمسة نجوم ، أو مجرد توبيخ ، أو يجرد من منصبه لفترة مؤقتة ليعود إليه بعد فترة أو إلى منصب أخر ، أو ما أشبه ذلك ، فلا لا يقام عليه حد أو قصاص كما أمر الله تعالى أو بما تنص عليه بنود العقوبة بالقانون المدني الوضعي بحقه ، مثلما تقام على من سرق من سائر الناس من الرعية ممن هم ضعفاء وبسطاء ومساكين ، فإنه يقام عليهم الحد أو تسري عليهم العقوبة المنصوص عليها بالقانون حرفياً بحقهم ويشهر بهم علا الملأ ، فهذا من الظلم أيضاً ، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أسباب هلاك الأمم فعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلمه أسامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فخطب فقال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) رواه البخاري. وذكر مسلم   رضي الله عنه – في الباب الأحاديث في النهي عن الشفاعة في الحدود ، وأن ذلك هو سبب هلاك بني إسرائيل .

 

فالظلم بمختلف أنواعه وحالاته هو مجلبة لغضب الخالق سبحانه وتعالى ، والسبب الرئيس لإهلاك الأقوام والأمم ، فقد أهلك الله أقواما وقرونا من الناس قبلنا وما زال يهلك الأمم لوجود الظلم في الأرض، فصار هذا الأمر سنة كونية ، كلما كثر الظلم والفساد في الأرض نزل الهلاك والعقاب الأليم ، ولذا فإن الله تعالى يهلك الأمة والدولة بظلمها حسب أحوالها ومواقيتها بظلم الأفراد لأنفسهم أو بظلم الحكام لهم وهذه سنة الله تعالى والذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرماً في استئصال الظلم  والظالمين المتكبرين في الأرض ، كيف لا وقد أهلك الله أقوام وأمم قبلنا بشتى أنواع العذاب ، ومن تلك الآيات الدالة على عقاب الله للظالمين من عباده : قال سبحانه: “ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ سورة الأنبياء (آية 11) ، وقال تعالى: “ وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ” سورة الكهف (آية 59) ، وقال تعالى: “ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرً” سورة الإسراء (آية 16) ، والله تعالى لم يظلم هذه القرى وهذه الأمم بل هي ظلمت نفسها وظلمت غيرها فحق عليها عقاب ربها، قال تعالى: “ ذَٰلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ* وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ” سورة هود (الآيات 100 – 102) .

 

ومن هذه القصص ما جاء ذكره بالقرآن الكريم : فعن فرعون وجنوده قال تعالى: “ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ” سورة القصص (آية 40) ، وما حل بقوم لوط ، قال تعالى : ” فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ *” سورة هود (الآيات 82 – 83) ، أما ما جاء عن هلاك قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الأيكة ، قال تعالى : “ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ” سورة العنكبوت (40) .

 

فكل ظالم لا بُد وأن يأتي موعد عقابه من الله وسينتقم الله للمظلومين من عباده سواء في الدنيا أو في الآخرة ولا بُد للحاكم أو الوالي أو السلطان الظالم وبطانته مهما كانت قوته وعنفوان جبروته وسيطرته أن تزول عنه سلطاته وتسقط دولته الظالمة عاجلاً غير آجلٍ ولا بُد للحق في النهاية أن ينتصر وسيلقى المسؤول الفاسد الذي سرق ونهب من المال العام والخاص وتعدى على هذا وأسرف في القهر والظلم والعهر نهايته التي لا تسعده أينما كان موقعه وسيغيب عنه من كان يسنده ولن يلقى له نصير أو شفيع عند الله لأنه تعالى سيكون لهم بالمرصاد ونسي أو تناسى أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب وحينها لن يعصمه من الله عاصم وسيلقى ما لا يُحمد عقباه عافنا وعافكم مما سيلقاه الله .