تدوير الوجوه يعني لا تغيير
يبدو وحسب التسريبات المنسوبة كما جرت العادة لمصدر مطلع أن السيد عقل بلتاجي هو أمين عمان المرتقب. والسيد بلتاجي له الكثير من النجاحات خصوصا بمجال السياحة إذ اترقى بالشأن السياحي الأردني وتطويره مما يستدعي أن نسجل تقديرنا لجهوده عندما تسلم دفة السياحة وزيرا. وقد تقلد عدة مناصب رفيعة من بينها منطقة العقبة الإقتصادية.
لقد حامت حوله شبهة فساد تتعلق باستملاك أراضي في العقبة لصالح المستثمر الملياردير المتعدد الجنسيات صبيح المصري. وأعتقد أنها ما زالت تحت المتابعة, وهي مدعاة للتريث والتمحيص بتعيين شخص بمنصب رفيع جدا لم يزل معلقا بين البراءة وثبوت التهمة. وما دمنا,جميعنا, ننادي بالنزاهة والإستقامة لشدة ما عانينا من غيابهما, فمن الحكمة واحترام الذات والعقل الأردني ان يصرف النظر عن شخص طرح اسمه بقضية فساد والقضاء لم يبت ببراءته وإلا “كأنك يا أبو زيد ما غزيت”. كما أن لو تم تعيينه فذلك سيضيف لقناعة الغالبية الساحقة بأن ما نسمعه ممن تولوا أمر الوطن والشعب لا يتعدى كونه شعارات تعمل مسكنا لالتقاط الأنفاس للإنقضاض ثانية. لسنا هنا بقصد الكتابة عن شخص السيد البلتاجي وتعداد مناقبه ومثالبه بقدر ما نقصد نهج تدوير الأشخاص والمناصب الرفيعة.
يبدو أننا في الكثير من الأحيان والكثير من التعيينات ما زلنا لم نتخلص من آلية التنفيع والتقريب القائمة على العلاقات الشخصية التي من خلالها تنسج خيوط الفساد والترهل والتدهور سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. والتقريب يعني اختصار المسافة ونيل الرضا واحتلال موقع بين الأسماء التي تحضى بأهلية التدوير.
أكرر ثانية، نحن لسنا ضد أشخاص بعينهم، بل ضد المبدأ والمعيار الذي لم يعد يتناسب مع معايير “الثورة البيضاء” التي نادى بها جلالة الملك مرارا ويعرف مضامينها الإنسان أينما وُجد. وجوه تغيب ثم تظهر لتعود أقوى من ذي قبل متسلحة باعادة تدويرها ولسان حالها يقول نحن شعب الله المختار لتحرم المؤهلين من جيل تسلح بالعلم والدراسة والتخصص لتبقي نفس الوجوه تتنقل من موقع لآخر وكأن الشعب الأردني يفتقر للمؤهلين من أبنائه لتولي المناصب الرفيعة المحتكرة من قبل من يتم تدويرهم.
نسمع شعاراتا وأقوالا نطرب لها، لكن نصيبها من التطبيق نصيب من عاد بخفي حُنيْن. ما زلنا نرى التعيينات حالها حال حجارة الشطرنج هي نفسها التي نَغلب ونُغلب بها. ونراها نفسها تزاح من مربع لآخر ثم يعاد ترتيبها لتكرار اللعبة، وهكذا دواليك. ألا “يؤكد” ولاتنا بكل مناسبة على تحري النزاهة والشروع بالإصلاح إذ الإنتخابات النيابية والبلدية حسبت إصلاحا بينما الفاسدون يتركون لإدارة من زرعوهم من أزلامهم بمفاصل الدولة. الإصلاح عمل دؤوب ومتواصل مصحوب بالنوايا الجادة والصادقة ولا يتحقق بالشعارات التي يفهمها ويعي مكنوناتها الأردنيون الشرفاء الغيارى على وطنهم ومقدراته التي فرطت يها الأسماء المدوّرة.
الوجوه المدوّرة هي نفسها قوى الممانعة أمام الإصلاح وهي التي تجعل من الشعب خصما للنظام وهي التي تختزل الأمر وتقزمه ليخرج وكأنه الملك مقابل الشعب. وحقيقة, هذه القوى هي العفن وهي السرطان الأنثوي الذي استشرى بجسد الوطن حتى أهكه. متى ينزل الله هدايته على ولاتنا ليكتشفوا أن حجارة الشطرنج يمكن أن تصنع من الذهب الخالص أو من العاج أو من المرمر والحجارة الكريمة والكريستال وليست فقط من الخشب؟؟
هل انعدمت الخيارات أمام الدولة؟؟ هل الأردنيون مصابون بالعقم الذي يقف حائلا أمام وصولهم لمواقع هم أهل لها؟؟ هل من يتم تعيينهم يتحلون بالليونة المفرطة التي تسمح للدولة والسلطة التنفيذية أن تمررا ما تريدان من قرارات عرجاء دون عناء؟؟ هل بالمقابل من لديهم الغيرة على بني شعبهم ووطنهم ويعملون بصدق ونزاهة وينطلقون من غيرتهم على وطنهم ليس لهم حيز بهذه اللعبة؟؟ هل هؤلاء أناس يُخشى من انتشار فيروسات وطنيتهم ونزاهتهم؟؟ نعم, هو فيروس النزاهة “الفتاك” الذي يقاوَم حتى يُمنع من الإنتشار للحفاظ على فصيلة الصفوة من المحاسيب من أن يفتك بهم فيروس النزاهة.
رب قائل أن أصحاب الخبرة لديهم القدرة على تصريف الأمور وحل المشاكل وابتكار الحلول ووضع الخطط القائمة على التجربة. لا ننكر دور الخبرة لكن من هم الذين يعطون فرصة التعرض للخبرة؟؟ أليس من يتعرضون لفرصة الخبرة والتأهيل والقفز لنهاية السلم الوظيفي هم نفسهم من أبناء المحاسيب والوزراء والملحقون بهم؟؟
وإن بدت بعض المناصب العليا لا تخلو من بعض الغيورين فإنها شكلية لذر الرماد ولا تطول وهي كما يقال” جمعة مشمشية “. والدكتور محمد نوح القضاه خير مثال على ما نطرح. وهو من بين القلائل الذين ثبتت نزاهتهم وجهدهم الواضح بالحفاظ على مقدرات وأموال مؤسساتهم وتعزيز النهج السليم البعيد عن الفساد. فكان الخوف من انتشار فيروس نزاهته فتمت مقاومته والقضاء عليه.
نحن لا ندعو لصناعة ” أنبياء” ولا استنساخ لمهاتما غاندي أردني ولا لعمر بن عبد العزيز عصري، بل ندعو لتغيير النهج والفلسفة التي تقوم عليهما عملية الإختيار. وندعو أن توضع معايير جديدة بعد غربلة وتنخيل المعايير البالية التي تجعل من نفس الوجوه تتكرر وتغيب ثم تحضر لتنفذ ما لم تستطيع تنفيذه بالسابق. ندعو لحسن الإختيار البعيد عن الجهوية والإسترضاء والمحسوبية، وندعو للتجديد والتغيير للنظرة الضيقة التي لا تخرج عن محيط رقعة الشطرنج.
لن يتحقق التغيير نحو الأفضل ما لم تتغير نظرة الإستهتار والإستخفاف التي قامت على مفهوم المزرعة وأن المواطن عليه الطاعة والتنفيذ وهي نظرة تصلح للتعامل مع الحيوانات، وحتى الحيوانات عندما لا تستجيب لراعيها تعطى هامشا من الحرية، لكن ونحن بشر مطلوب منا القبول والرضا بكل ما تصنعه الدولة وتمليه علينا والإستماع لكل ما تلقنه لنا الدولة كتلقين الميت. وإن حاولنا ممارسة حقنا الإنساني والبشري وهو من أبسط حقوق المخلوقات الناطقة, تسلط علينا الأضواء ونصنف بالمناكفين والباحثين عن المتاعب وتوضع العراقيل أمامنا وأمام أبنائنا وتقل الفرص أو تنعدم أحيانا لأننا لسنا من المصفقين التلقائيين بل لأننا نصفق عندما يتوفر مبرر التصفيق بالعمل لا بالقول.
مقابل ذلك تفرض علينا أسماء شفيعها الطاعة العمياء ودينها الإنتفاع ومنهجها التزلف والتسلق وسيرتها الإستعداد لتنفيذ سياسات ليس للمواطن منها سوى زيادة الأعباء. وهي أسماء تطمح للإرتقاء واستمرارية التنقل والتدوير.
فلنخرج من رقعة الشطرنج بحجارتها المعروفة والتي بتنا نتعرف عليها باللمس دون النظر. وبغير ذلك فلن نعرف تغييرا ولن نتوقع إصلاحا ولا نأمل بنظرة متجددة وحديثة تتماشى مع المطلب العام.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com