الخبز للقطط أم للبشر؟؟
الخبز مادة أساسية ورئيسية عند السواد الأعظم من الشعب الأردني ولا تكاد تخلو وجبة من الوجبات الثلاث الرئيسية من الحاجة لتناول الخبز معها. والسبب أن طبيعة المطبخ الأردني لها مساس مباشر مع تناول الخبز. بالإضافة إلى أننا لسنا أمة تعيش على وقع الحياة السريعة التي من افرازاتها تناول الوجبات السريعة المسماة ” Quick Meal ” إلا بحدودها الدنيا تقتضيها الحاجة وبظروف محدودة ومزاجية.
رغم فهمنا لنهج دولة الرئيس القائم أساسا على خفض العجز المالي مهما كانت النتائج ومهما كانت ردة فعل الشارع، إلا أننا لا نتفق مع دولته تماما باختراعاته التي تحقق من وجهة نظره خفض العجز. يبدو لنا أن دولة النسور همه الأول وشغله الشاغل التفكير بخلق وابتداع الوسائل التي من خلالها يحلل ويجيز الإنقضاض على راحة المواطن بذريعة خفض العجز. وذلك يعني سلوك مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.
لقد زف دولته بشرى جديده للمواطنين لتزيد من فرحتهم بقدوم عيد الفطر والمتمثلة بإصدار بطاقات إلكترونية لشراء الخبز وذلك للعمل على زيادة رفد الموازنة العامة. سبق لدولته أن أصدر حكما وقرارا يقضي بأن المواطن الأردني يستهلك (90) كيلو غرام من الخبز بالسنة. لو فككنا هذا الإبداع وطبقناه على الواقع لوجدنا أن الأرقام الناتجة تلبي حاجة العصافير وليس البشر من الأردنيين الذين من أساسيات غذائهم مادة الخبز.
لو قسمنا (90000) غرام وهو كمية استهلاك الفرد الأردني من الخبز بالسنة على عدد أيام السنة (365) يوم لكان الناتج (246.57) غرام باليوم للفرد. ولو قسمنا هذا الرقم على (3) وهو عدد الوجبات الرئيسية باليوم الواحد لكان الناتج (82,19) غرام لكل مواطن بالوجبة الواحدة. لا أدري ماهو المعيار أو المقياس الذي اعتمد عليه دولته كأساس حين حكم وقرر أن ما يستهلكه المواطن الأردني (90) كغم.
يبدو أن دولته أخذ عينات “أردنية” من عائلات المجتمع المخملي الذين يستخدمون الخبز مرتين أو ثلاثة بالشهر ونرجح أن العينة المستخدمة بهذه المعادلة هي باسم عوض الله. لو كان دولته من خلفية تماثل خلفية وحياة ونشأة هذا الأخير لما لمناه ولوجدنا له العذر الذي يخفف عنه اللوم والإنتقاد. أما أن يكون المقرر هو عبدالله النسور إبن السلط فلا عذر له ولا مبرر لما يصنعه ولا مسوغ لاستهتاره واستخفافه بعقول الأردنيين ولحاقه بركب من سبقوه من أبناء القصور الذين لا يعرفون الطريق المؤدي للخبز الأردني.
نستطيع القول أن هناك توجه بتجويع ما نسبته أكثر من 90% من الشعب, ناهيك عن المشاكل المرافقة لمثل هذا التوجه لدى المطاعم ولدى الناس العاديين بحال وجود الضيوف والعزايم ونحن شعب مضياف من الدرجة الأولى والدليل أصبحنا نستضيف ما هب ودب أليس كذلك دولة الرئيس ابن السلط؟؟ فكيف العمل بحال الضيافة؟؟ هل مطلوب بهذا الحال أن يأتي الضيف وخبزه معه دولتك؟؟ هل دولتك ستتأثر بمثل هذا التوجه؟؟
ولو أخذنا مثالا عائلة أردنية تتكون من ستة أفراد وحسبنا كمية استهلاكها بناءا على قرار دولته العصافيري لوجدنا أن استهلاك هذه العائلة (1479.42) غم من الخبز باليوم الواحد. وهذا الرقم يعادل رغيفين ونصف من الخبز “المشروح” الذي يتناوله غالبية الأردنيين بالمدن والقرى والبوادي. إن كان من نصيب هذا المقال أن يمر على مسمع أو عيون دولته، أستحلفه بالله الذي أقسم على كتابه عدة مرات بأن يخدم المواطن، أن يعيد دراسة هذه الأرقام ليخلص أنها لا تكفي للعصافير ولا تشبع القطط.
أي ناظر بهذه الأرقام وهي التي تتحدث عن نفسها, سيخرج بأن الذي اعتمدها لم يكن المواطن الأردني حاضر بذهنه بل الحاضر ربما هو المواطن الياباني أو السويدي. إنها قرارات تستند على الحفاظ على العزة بالإصرار على ارتكاب الإثم، العزة التي أصبحت السلاح الذي يذبح به الإنسان الأردني.
ما نخلص إليه، أن من يولون على مصائرنا وإدارتنا لا حضور لإنسانية الإنسان وكرامة المواطن عند إتخاذهم قرارا يطال كافة الناس أو غالبيتهم. وبالتالي يقودنا هذا النهج إلى الحقائق التالية:
عقلية الإستهتار والإستخفاف هي التي مازالت تسيطر على دفة الإدارة بالدولة.
هناك هامش ضيق جدا لحضور المواطن الإنسان بذهن متخذ القرار الأردني، إن لم يكن مغيبا تماما.
القرارات ذات الصبغة الإقتصادية والمالية والجزائية تفصل للنيل من المواطن البسيط لتحمي طبقة النافذين.
التخبط بالقرارات وعدم سويتها مرده جبهة المتنفذين التي تتخذ من نفسها لوبيا يحارب مصالح المواطن ويحمي مصالح هذا اللوبي.
لا أمل بالإصلاح طالما أن البدائل لا تخرج عن دائرة المقربين والوارثين لتولي زمام الإدارة.
الهيئات الرقابية والتي أنشأت لمراقبة الأداء العام لا تقوم بدورها الحقيقي بل هي واجهة دعائية للتغطية على الفاسدين وليس لكشفهم وفضحهم وتقديمهم للقضاء.
الغيارى يستبعدون ويهمشون حتى لا يكشفوا ما أصابنا وأصاب مؤسساتنا من عفن وفساد.
محاربو الإصلاح هم المتربعون بالمناصب القيادية.
كنا نأمل من دولة النسور رئيس الهرم التنفيذي والإداري وفريقه الوزاري أن يكونوا أكثر واقعية وموضوعية وأكثر علمية ومهنية كمديرين للشأن العام الأردني وأكثر رشاقة بالنزول لسكان القرى والبوادي ليصدموا بالواقع المعيشي ويخلصوا إلى أن المواطن الواحد يتجاوز استهلاكه من الخبز (1000) غم باليوم الواحد, فكيف سيكفيه ما يعادل ربع هذه الكمية؟؟ كما كنا نأمل ولو متأخرين أن يتحرر دولته من نهج الإستخفاف ونبذ سياسة الظهور بمظهر المخلص أمام جلالة الملك الذي طالما نادى بـ “كرامة المواطن من كرامتي”.
سياسات كهذه تراكمت بسببها الإحتقانات والسخط والشعور بغياب الإحترام وحضور هدر الكرامة, إذ ذلك دفع نحو التوتر والإحتجاج وطلب التغيير بوقت بات الشعب مقتنعا أن الإصلاح كمن ينتظر غودو(Godot). ألا نعتبر من الدول الإقليمية التي انتفضت شعوبها بسبب الشعور بالظلم وغياب العدل والمساواة لاستعادة كرامتهم وحقوقهم وحماية مكتسباتهم الوطنية واسترداد كرامتهم التي داسها النفعيون والمتاجرون؟؟
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com