لقد مللنا الإنتظار
لقد مللنا الإنتظار
راتب عبابنه
الحكومة وأدواتها من كتاب وصحفيين ومستوزرين وطالبي الترقية لم تمنع الحديث والكتابة عن الفساد والفاسدين لكنها صمت أذانها وجففت أقلامها وأوعزت لأدواتها بالحديث عن الفساد بالمطلق وليس بالمباشر لكي تظهر بمظهر المتفهم والمتعاطف والمتوافق مع الشعب المطالب بالإصلاح ومع الكتاب المطالبين بإعلان الحرب على مسببي تردي الأوضاع الآخذة بالإنحدار نحو مجهول يقوده فريق بقيادة لا تجيد إلا أساليب الخنق والتضييق والدفع باتجاه الإنفجار.
لم نسمع مسؤولا أو نقرأ لجهة رسمية حديثا مباشرا عن الفساد والفاسدين ولم نلمس جدية بشق طريق الإصلاح. لكن نسجل للإنفجار العربي فضله بتغاضي مؤسسة الدولة عما يكتب من انتقاد للحكومة ورموز الدولة خصوصا السابقون منهم ومن كانوا لا يألون جهدا لتدمير الوطن والمواطن سواء بالمشاريع الوهمية الخاسرة أو بتحويل الأموال المرصودة لحساباتهم أو بتقاضي العمولات المليونية للموافقة على صياغة اتفاقيات استثمارية مذلة تقيد الحكومة وتغل يدها عن التدخل بحال رأت سببا للتدخل أو الإعتراض.
وهذا النهج الراسخ لسنوات طوال وهذا التفرد بكيفية صياغة القرار وتمريره دون أدنى احترام لحقوق المواطنين إنما هو تآمر على الوطن وخيانة للأمانة التي أقسم عليها هؤلاء المؤتمنون أمام الله وأمام الملك رأس السلطات الثلاث وأمام الشعب مصدر السلطات على شاشات التلفاز. أسماءهم باتت معروفة وصنائعهم ومشاريعهم البالونية وملايينهم وقصورهم باتت أيضا معروفة للعامة ولرأس الدولة وأجهزة الرقابة والمحاسبة وأجهزة الأمن.
إن قيل فلان فاسد أو على الأقل ما صنعه بالأردن وشعبه لا يرقى لطموحات شعب طموح وملك متحضر ومنفتح ونجل للحسين ومن بيت النبوة، يفسر ذلك باغتيال الشخصية وعلى من يخوض غمار معركة المطالبة بالإصلاح ومحاربة الفاسدين وسحبا على نظرية دولة النسور تقديم أدلته ووثائقه التي تثبت فساد الفاسد. إذا صار البحث عن القرائن والأدلة والإثباتات ملقى على كاهل المواطن وليس على الأجهزة الرقابية المختصة والمحاكم التي يفترض أنها موجوده وتمارس واجبها من أجل الحفاظ على ممتلكات الشعب والوطن, فما الحاجة للطواقم الرقابية والمخابراتية وبالتالي مالحاجة للحكومات؟؟ فدعوها شريعة غاب كل يأخذ حقه بما أوتي من قوة. هل هذا ما يطمح له المواطن الأردني الذي تفاخرون بوعيه وإدراكه؟؟
المشكلات التي تعجز عن حلها الحكومة، يكون حلها على حساب المواطن. مواجهة الضائقه المالية التي سببها نفر معروف بالإسم والعنوان والوثائق هي أيضا تجد حلها عند المواطن. الإخلاص والولاء والإنتماء والتغني بالوطن ومؤسسة الدولة تقع على عاتق المواطن العادي أيضا أما الفاسدون والبرامكة فالأمر أكثر من ثانوي عندهم. التأثر بالأحداث المحيطة، يتلقاه المواطن العادي وهو الذي يدفع تكاليفه ويواجه العناء والغلاء.
البطالة ترتفع نسبتها التي حقيقة تتجاوز25% لكن النسب المعلنة تعادل نصف النسبة الحقيقية. أبناء الكبار والمتنفذين كلمة “بطالة” لا وجود لها بقاموسهم لاسثنائهم من عناء البحث عن الوظيفة. الأسعار ترتفع والضرائب كذلك ويكتوي بنارها المواطن العادي الذي ينوء تحت مسؤولية توفير أساسيات عيشه. أما المواطن غير العادي لا يتابع أصلا أخبار الوطن ليعلم ما يدور به ولا يقلق لحاله مقتديا بمثله الأعلى.
التجنيد بالجيش أو الأجهزة الأمنية ضرب من التمني والتوظيف بمؤسسات الدولة شبه متوقف والتوقف ينعكس سلبا على المواطن العادي ليزيد نسبة البطالة ويرفع نسبة الصراخ بالشارع لعل من سامع.
أليس هذا هو واقعنا؟؟ أليست الحكومات المتعاقبة والعاجزة هي من أدخل المواطن والوطن بهذا الحال المتردي لتبقى بحالة شد وجذب معهما وبالنهاية تستقوي عليه وتزيد من معاناته؟؟ أليست الحكومات التي كان باسم عوض الله ووليد الكردي جزءا منها هي من قصرت بأداء واجبها وحَمْل أمانتها وسكتت سنوات طوال أعقبتها سنوات عجاف وهي ترى بأم عينها وتعلم يقينا وتبارك إتفاقياتهما وقراراتهما حتى صار لكل منهما إمبرطوريته المالية والإجتماعية والصحفية وأدوات دفاعه الخاصة؟؟
فلماذا يُحَمّل المواطن خطايا وتبعات وخيانات وتآمرات هؤلاء؟؟ بأي حق وبأي دين وبأي قانون سماوي أو وضعي يحاسب البريء ويبرأ الجاني؟؟ ربما نتفرد عن دول العالم بهذا النمط من الإدارة، وربما نعيش بمعزل عن نواميس البشر وأعراف الدول التي تسوس الشعوب بحق. المواطن متهم ويستحق العقوبة بالوقت الذي تراه الإدارة مناسبا.المتهم الحقيقي لا قانون يطاله رغم تأكيد رأس الدولة جلالة الملك بأن ” القانون فوق الجميع “. واسمح لنا يا جلالة الملك بالبوح أن القانون ليس كذلك بل هو مطبق على الضعيف ومجمد عندما يتم اللجوء إليه لإنصافه. دليلنا على ذلك, ملاحقة ومحاسبة الناس على رأيهم (أحيانا) أو رصد ما يقولون عند التقدم لوظيفة مدنية أو عسكرية, بينما السارقون لأموال الوطن والعاملون على تدهوره لا يطالهم القانون المفروض أنه يتساوى الجميع أمامه مهما علا شأنهم لأن الوطن أغلى وأكبر وأدوم من الجميع.
هناك خلل يكمن بالإختيار والإختيار للأسف حسبما نرى منحصر بسلسلة تتكاثر وتتوالد دون السماح لدم جديد يحسن السلالة ويعمل على تصويب المعوج. صارت الإدارة مقتصرة على نفس السلالة ومن هنا جاءت النمطية المتوارثة التي لا تسمح لمن هو من خارجها بدخولها, بل أبوابها مشرعة فقط أمام أعضائها. لقد بتنا بحاجة لرجال من خارج النمطية الموروثة لكي يأتونا بالجديد الذي يتوافق مع طموح الناس وتطلعاتهم, رجال من صلب المعاناة, رجال جربوا حياة الفلاح والبدوي ومروا بنفس المعاناة واحتاجوا نفس الإحتياجات, رجال انتظروا رواتبهم آخر الشهر للوفاء بالتزاماتهم, رجال كانوا يذهبون للمدارس وجيوبهم فارغة, رجال مشوا للمدارس عدة كيلومترات تحت المطر وتحت الشمس, رجال معشوقهم الوطن والإرتقاء به.
أما من يتوارثوا المسؤولية والإدارة وعاشوا حياة القصور ومصروف طالب بالتمهيدي يعادل مصروف عائلة ولم يتعرضوا لبرد الشتاء وحر الشمس, والمشي للمدرسة من المحرمات, وإن تأخر سائقه الخاص تحصل كارثة لدى عائلته, فلا نتوقع منهم أن يتفهموا احتياجات البسطاء. الذين يعرفون عن باريس ولندن وجزر المحيط الهادي أكثر مما يعرفون عن الكرك وإربد والمفرق لا نتوقع منهم تحسس ما يعانيه سكان هذه المناطق. من يشتري ويحجز التذاكر عن طريق بطاقة الإئتمان ليس كمن يبيع سيارته ليدفع رسوم وتذاكر ابنه للدراسة. من يتفاخر بموديل السيارة وعداد سرعتها ليس كمن يشترك بجمعية مع جيرانه وأقاربه لتوفير الرسوم الجامعية. فاقد الشيء لا يعطيه والإناء بما فيه ينضح. فكيف بالحداد مثلا أن يصنع بابا من الخشب؟؟
هذه “الصفوة” أخذت فرصتها ولم تنجح بما أوكل إليها وفشلت فشلا ذريعا أوصلنا للعوز. ألم يحن وقت التغيير الذي به نتوخى تولية من بهم الخير ونتوسم بهم النزاهة والقدرة على التصحيح لينعدل المسار وتستقر الأمور؟؟
كثير من الأقوال المأثورة لجلالتكم نراها بارزة بمداخل المؤسسات وبترويسات الصحف والمواقع الإخبارية من باب التفاخر بمصداقية وجدية جلالتكم لكنها تبقى مجرد جمل لا طريق لها للتطبيق. ألم تعلم بذلك جلالتك بعد؟؟ ألا ينقل لك مستشاروك أن أوامركم ورغباتكم بما يتعلق بصالح المواطن تقرأ بالأخبار وتكتب بعناوين وافتتاحيات الصحف دون متابعة أو تنفيذ؟؟
إذا قام ناصحوكم بواجبهم ونقلوا لكم الحقيقة والواقع، فلم نلمس بعد إجراءا أو خطوه تعالج ذلك التقصير. وإذا لم يقوموا بنصحكم كما يجب وغطوا الحقيقة فمنذ زمن باتت الحقيقة جلية أمامكم. ونخلص من هذا الواقع أن مستشاريك لا يقوموا بواجبهم على أكمل وجه كما أقسموا أمامكم على كتاب الله. لقد ناديتم بثورة بيضاء ولم نلمس منها شيئا. التنفيذيون يتغيرون بسرعة الضوء ولم نلمس إلا تزايد الأعباء. إذا لم تعلنوها وتصدعوا بها بنفسكم ثورة ولتكن سوداء على المارقين, فلا أمل ممن تأملتم بهم.
من أسباب نجاح الإدارة بشأن ما هو المتابعة والتأكد من أن القوانين والتعليمات والتوصيات التي تتعلق بسير العمل لأي مؤسسة قد تم العمل بها وتنفيذها وتطبيقها ومن ثم إنتظار النتائج المرجوة من هذا التطبيق، وعكس ذلك سيبقى الحال على ما هو عليه إن لم يزدد سوءا.
كما أن ضمان الإصلاح والتغيير يحتاج رجالا يؤمنون بهما ولديهم القابلية والأهلية والعزم والغيرة على النهج القويم الذي من شأنه تصحيح المسار. والثورة البيضاء تحتاج لرموز وشخصيات بيضاء خلاقة ومقبولة من الأغلبية ومقتنعة بالهدف لكي تضمن تعاون الآخرين معها والتعاون من أسباب النجاح.
أما أن تُترك الأحوال وهي أحوال وطن وشعب للصدف والتمني والثقة المطلقة بأناس همهم التلاعب بمشاعر المواطن والعمل على إماتته وديدنهم الإنتفاع من الوظيفة وجمع ما يمكنهم من أموال غير عابئين بالمواطن ومستقبل الوطن، فذلك يعني تكريسا للفساد وإحجاما عن الإصلاح ودفعا بالوطن نحو المجهول وزيادة لأحمال المواطن الذي لم يعد بمقدوره أن يحتمل أكثر.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com