كلمة العارفين أمانة ومسؤولية
كلمة العارفين أمانة ومسؤولية
راتب عبابنه
في خضم الهجوم على الإخوان المسلمين والإستقواء عليهم بعد انقلاب العسكر بمصر، هناك العديد من الكتاب وأصحاب الرأي من الأردنيين ومن العرب الذين وجدوا ضالتهم بهذه الظروف ليركبوا الموجة ويسعوا للتقرب للأنظمة من خلال النقد والتقريع والتجريح والتشفي الموجه للإخوان. كنت أتمنى أن يقترب الجميع من الرأي العام الغربي بصحافته وإعلامه ومثقفيه ومراقبيه الذي لم يصطف مع الإنقلابيين وربما ليس تأييدا أو حبا للإخوان بل اصطفافا مع المبدأ الرافض للإنقلابات العسكرية التي لا توافق بينها وبين الديموقراطية التي يحتكمون إليها والتي نؤسس لها بأوطاننا.
الكتاب المصريون والإعلاميون المتصدرون لمشهد تشريح نظام محمد مرسي, لم ينتقدوا نظام مبارك الذي جثم فوقهم ثلاثة عقود خادما لأمريكا ومنفذا مطيعا لرغباتها وضاغطا على حماس كما لم تضغط اسرائيل ولم يكتف بذلك بل عمل ومهد الطريق ليخلفه إبنه لضمان دوام نهجه التوافقي مع كل ما يتعارض مع مصلحة المصريين والعرب, لم ينتقدوا هذا النظام الفاسد بمثل ما انتقدوا به نظاما جوبه بفلول النظام السابق منذ اليوم الأول والذي لم يأخذ الفرصة الكافية ليظهر إصلاحه وتتبلور سياساته وهذا رغم تحفظنا على بعض ما جاء به هذا النظام القصير الأجل.
لم أكن يوما من المدافعين عن الإخوان ولا من المصطفين زورا بظل الحكومة لغرض بنفس يعقوب، بل ما دأبت عليه ولن أحيد عنه هو قول الحق دون مواربة والحق أن تقول للمصيب أحسنت وللمسيء أسأت. هناك كتاب يصنفون من المناوئين للإخوان تأسيسا على اختلافهم معهم بالنهج أو الرؤيا أو لكون هؤلاء الكتاب ليبراليون أو علمانيون أو ذوي خلفيات حزبية تقدمية الدين ليس من إهتمامتهم. ما يلفت النظر أن هؤلاء الكتاب لم ينتقدوا ولم يعارضوا الإخوان بنفس الشدة ونفس الحدة قبل الإنقلاب العسكري عليهم.
إنتقادهم كان يأتي من حين لآخر لتثبيت عضويتهم بنادي المناوئين للإخوان أكثر منه إنتقاد قائم على قناعة موضوعية أو للدفاع عن قضية يختلفوا بها مع الإخوان. وأحيانا يأتي الإنتقاد لضمان دوام الرضى وبركاته من قبل الجهات الرسمية. بعض الكتاب والمثقفين أصبح يدلي برأيه الناقد والمقرع للإخوان إيمانا منه بنهايتهم وعدم قدرتهم على العودة للساحة السياسية ومعتقدا أنهم رفضوا ولفظوا وعودتهم مستبعدة. أي الإنتهازية وركوب الموجة وسلوك طريق عدو عدوي صديقي هي الوسائل التي ترضي غرورهم مثلما تجعلهم صيدا ثمينا وبوقا مستنسخا عن المصري أحمد سعيد لتصحو الناس على الحقيقة والواقع.
لكلٍّ حريته بما يعتقد ويرى ويؤمن, لكن الحقائق تتحدث عن نفسها ولا أحد يمتلك الحقيقة ولا يستطيع التنكر للواقع. وما نأخذه على متصيدي الفرص الرخيصة هو الإنتقال من نمطية الإنتقاد الذي ترك هامشا للحوار والتلاقي (سابقا) إلى نمطية الإنتقاد التشريحي القائم على “حقيقة” انتهاء الطرف الآخر وعدم قدرته للدفاع عن نفسه.
المراقب والمتابع لما يكتب يلاحظ دون عناء ارتفاع وتيرة الإنتقاد الموجهة للإخوان وهو بمثابة ركوب للموجة وخطب للود ونسج لخيوط التقرب من الأنظمة وأذرعتها التي باركت الإنقلاب. الكلمة أمانة ومسؤولية وخاصة عندما تصدر من كتاب ومثقفين وأصحاب قلم إعتاد الناس على المرور بما يكتبون ويطرحون. وهذه الأقلام لم تنبري للإخوان بل كانت دائما تتبع نقدها بالإشادة بتنظيمهم وأنهم جزء حيوي وفي مقدمة النشاط الحزبي. أما الآن نفس الأقلام تتحدث وتنكر على الإخوان أي حق بالحياة بل خطابهم أخذ منحى جديدا ينم عن فقدان الساحة الحزبية والسياسية لجماعة الإخوان, وذهب البعض ليصورهم وكأنهم من الماضي مثل الأحزاب التي تعرضت للإنتكاس القاتل.
إنتقاد الإخوان صار المطية التي من خلالها يختصر البعض المسافة والزمن لحجزمكان بقصد الحظوة وعلى مبدأ ” رافق المسعد تسعد ” إذ نرى أن المبدأ صار عند هذا البعض هو التقلب والقفزعن الواقع ولي عنق الحقيقة. القاريء الأردني متابع للأحداث ويعتمد على خبرته وذكائه ويحترم الثابتين على الرأي القائم على مبدأ مناصرة الحق مهما كانت التبعات ويقف بوجه الباطل دون خشية لوم اللائمين. هناك مصطلح كتاب التدخل السريع والذين يقصد بهم من يصطفوا بظل الدولة محاولين تضليل القاريء بآرائهم من خلال المزايدة التكسبية والمباركة النفعية لما تتخذه الدولة من مواقف. للأسف هناك الكثير منهم وهم نصير كل قوي ومادحين كل صاحب يد معطاءة تعطيهم وتسلب منهم موقفهم ورأيهم لتضرب به أبناء جلدتهم وتجعل منهم غطاءا يستر عوراتها ويخفي خطاياها. ألا يعلموا أن الأيام تخفي مجهولا يجعل منهم وقودا لحرق نفاقهم وعنوانا لكنس تضليلهم وتجنيهم؟؟
وما هذا إلا النفاق بعينه والتكسب والإستنفاع ليبقوا بذاكرة الحكومات والأنظمة يتصدرون المقاعد الأمامية بالمناسبات والمؤتمرات الصحفية والدعوات التي تفصّلها وتكتب سيناريوهاتها وتخرجها جهات تعتاش على المتملقين والنفعيين ليزيدوا من تضليلهم لطمس الحقيقة والتأثير على الرأي العام بغية الوصول لهدف لا يخدم الدولة بواقع الحال ولا الشعب بل بالغالب يخدم تنفيذ رغبات أناس لا يريدون الخير للشعوب والأوطان.
نأسف لهؤلاء الذين يميلون مع ريح النفعية وتخط أقلامهم ما يرضي أهل نعمتهم غير مؤمنين بأمانة الكلمة ومسؤوليتها وما يمكن أن تصنعه ضاربين بالدين والضمير عرض الحائط لا هم لهم إلا رضى المسؤول الفلاني والمتنفذ العلاني الذي يمكن أن يطالهم من خيره نصيب. بالمقابل نشد على أيدي المتمسكين بجمر مبادئهم لا تهزهم الإغراءات والهبات والعطايا والهدايا ولا يضعفون أمام سطوتها وهم كثر والحمد لله لأن الخير بأمة محمد متواصل غير منقطع.
لو قدر للإخوان أن يصبحوا ذوي شأن, هل سيبقى هؤلاء المتنطعون والفاقدون للثقة والمصداقية على نفس مواقفهم أم سينقلبوا على أنفسهم وعلى أولياء نعمتهم ويمارسوا تملقهم ونفاقهم لصالح القادم؟؟ هل ستبقى وتيرة إنتقادهم بنفس المستوى أم ستنخفض سعيا وراء التكسب ونيل الرضى؟؟
أقول هذا بعد متابعاتي الحثيثة للكثير من كتابات الكتاب الذين إنقلبوا وزادوا من حدة تقريعهم وتجريحهم لجماعة الإخوان بعد الإنقلاب العسكري المدعوم من بعض الدول العربية.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com