مجرّد معرّش
عناصر المكان محدودة، شادر مفتوح من الجهات الأربع، فرشة قديمة يتكشّف إسفنجها في أكثر من موضع، وسادتان مغرقتان في القتامة، دلو بلاستيك فيه ماء يستخدم لغسل أكواب الشاي ولتنفيذ حاجات حيوية أخرى بيسر وسلامة..ميزان اليكتروني لا تظهر أرقامه إلا إذا مسح بإصبعه على الشاشة المغبّشة بالغبرة ، “بطانية” قديمة تغطي كومة البطيخ المتراصة فوق بعضها إذا ما بدأت الشمس “تجحر” بــ “الرزقة”، شقفة كرتون كتب عليها “بطيخ زي العسل” ..سكّين على الطاولة تقطر ماءاً أحمر بعد آخر تحدٍّ حول حلاوة الــ”بطّيخه” ، وحفّاية بلاستيك تصطف بشكل متقابل أمام الفرشة الرقيقة، يتم ارتداؤها على عجل عند دخول زبون متأنق…
ثوبه المحروق “بزهر السجائر” يشبه إلى حدّ بعيد صفحة “برايل” لكثرة الثقوب، التي يتلمسها أوقات الفراغ ويعدّها ساعات الملل ،يمضي صاحب المعرّش جلّ نهاره مضطجعاً أو منسدحاً على ظهره ،نادراً ما يرفع رأسه ، أو يعدّل من جلسته إلا إذا سمع وقع أقدام..أو هدّأت سيارة من سرعتها على مطب قريب… طيلة النهار لا يتعدى قاموس الفاظه السبع كلمات: ( بربُع….زي العسل.. قديش بدك..ع السكين..اعلّمها؟؟ )فهو عادة ما يجيب على نفس الأسئلة ويقطع على نفسه نفس التعهدات..بيش البطيخ؟؟ بربُع!!… حلو؟؟ زي العسل..!! راعينا شوي ..قديش بدك؟؟؟.. طيب شو بضمنلي انه حلو…؟؟ ع السكين.. هات هاي اللي بيدك! أعلّمها؟؟….هذه مفرداته التي يلفظها كل يوم عشرات المرات تحت الشادر…هناك من الزبائن من يطبطب على البطيخ ويشتري..وهناك من يطبطب على البطيخ ولا يشتري..لكن نفس المفردات يجب أن تقال لكل الزبائن المحتملين و”مرّاقين الطريق”…
لا ادري لم اشعر أحيانا أن البلد صارت مجرّد “معرّش بطيخ” مفتوح من الجهات الأربع،الكل يدخل كيف يشاء ومتى يشاء ، هناك من يطبطب ويدفع وهناك من يطبطب ولا يدفع..وفي كل الأحوال مسؤولنا لا يتوانى من وضع رقبة المواطن ع السكين لمن يدفع (على نية الشراء)..
احمد حسن الزعبي