زواج القاصـرات والتمكين المدني
لا يقتصر مفهوم التمكين على السياسة فقط , ولن تكون السياسة مقياس او مختبر التمكين الديمقراطي وحدها , فمساحة الاختلال في المستوى الاجتماعي اكثر تأثيرا على المجتمعات من التمكين السياسي ونجاعته او اختلالاته , والنجاح على المستوى الاجتماعي سينسحب على السياسة والعكس ليس صحيحا , حتى لو قال البعض ان القانون يحقق الغاية وبالتالي تتم الازاحة والانحياز الى التمكين السياسي .
في دراسة مثيرة للقلق صادرة عن دائرة قاضي القضاة فإن نسبة زواج الفتيات دون الثامنة عشرة وصلت الى عشرة بالمئة من تعداد عقود الزواج , وهذه نسبة مرتفعة وتخالف التمكين الدستوري الذي حدد سنّ ممارسة الفرد لحقوقه المدنية والسياسية بطواعية بالثامنة عشر , والمخاطر الناجمة عن هكذا زيجات تفوق في تبعاتها مخاطر الفكر الارهابية ومخاطر سوق الجريمة واحصاءاته .
فكيف لفتاة لم تبلغ سن الرشد ولم تمتلك حق الاختيار ان تكون قد تمكنت فعلا من اختيار شريك حياتها وبالتالي قادرة على تحقيق شراكة عادلة في مؤسسة الزواج وتربية ابناء وتكوين اسرة متوازنة ؟ وكيف لفتاة تراوح بين المراهقة والطفولة ان تكون واعية لحقوقها والتزاماتها في اول لبنة اجتماعية لتكوين المجتمع ؟ .
الحديث الاصلاحي في السياسة يغفل الحديث عن الاصلاح الاجتماعي الذي هو بيت القصيد الاصلاحي , وهو مختبر اكتشاف الساسة واكتشاف برامجهم , ونحن نعلم يقينا ان الاصلاح السياسي مساحة التكاذب فيه عالية جدا ورحبة حد الفضاء , ويسقط الشعار السياسي دائما في الاختبار الاجتماعي , ورأينا نماذج الربيع العربي كيف نجت في السياسة ووصلت الى اعلى مراتب الحكم لكنها كشفت عن وجه مغاير على المستوى الاجتماعي بشكل هدد الامن المجتمعي واعاد احياء جذور الشك والريبة في كل مشروع الربيع العربي .
قانون الاحوال الشخصية الذي طالبنا مرارا وتكرارا بضرورة مراعاته لروح العصر دون دخوله في خانة التسويات السياسية , بحاجة الى اعادة مراجعة بعد ان فتح القانون نفسه المجال لاختراقه والعبث بقدرته على التمكين , ومنح المأذون صلاحية تحديد سن الزواج رغم النص القانوني على تحديد السن , ولذا جاءت النتيجة الصادمة وربما لو كانت الاحصائية المنشورة اكثر توصيفا واكثر جرأة على تحديد الاعمار لكانت النتيجة مرعبة ولعرفنا كم من المتزوجات في عمر الطفولة .
ادبيات السياسة والحديث عن الاصلاح السياسي لن تحقق حضورها دون مفهوم الاصلاح الشامل , والبقاء في خانة التشريع بالمياومة وحسب حاجة السوق السياسي لا يمكن ان يُفضي الى الاصلاح المنشود , ولا نصل الى تطوير المجتمعات الاقل حظا او رفع مستوى المعيشة في المحافظات , فمعظم تلك الزيجات تتم في المناطق الفقيرة من العاصمة والمحافظات , وسكوت المشرّع الاردني عن هذه الثغرة سيوصلنا الى مهالك اجتماعية اذا علمنا ان نسبة الطلاق في السنة الاولى من الزواج تصل الى 35% والجميع يعلم اثر الطلاق على التربية وتاليا على منسوب الجريمة الذي يتغذّى من التفكك الاسري .
الاصلاح وسيلة للوصول الى الدولة المدنية والمجتمع المدني وهذا الهدف لن يتحقق دون تمكين المرأة ودون المحافظة على شروط نجاح التكوين الاسري , والبقاء في دائرة المساومات السياسية مع الاحزاب غير المدنية سيكسر القيمة العليا للاصلاح ويُبقينا في دوامة العجز المدني , وسيلحق الضرر بكل المفاهيم الاصلاحية بل بكل الصدقية اللازمة لانتاج مجتمع مدني عبر وسائل اصلاحية سلمية .
واقع المرأة الاردني لا ينقصه المزيد من التراجع والمزيد من المعيقات , والواقع الاجتماعي لا ينقصه المزيد من التفكيك والتغذية السلبية , والاسرة بيت القصيد والمرأة نصف المجتمع والمرأة لا تحتاج الى اوصافنا الجميلة بل تحتاج الى قناعتنا بتلك الاوصاف وقانون الاحوال الشخصية بصورته الحالية يكسر كل ادوات تمكين المرأة .
omarkallab@yahoo.com