الفوسفات والمفارقة الكبيرة
أصدرت محكمة الجنايات حكماً قضائياً ضد وليد الكردي رئيس مجلس الفوسفات السابق،بالسجن اثنين وعشرين عاماً، وتغريمه أكثر من ربع مليار دينار تقريباً، والمبلغ مذهل بكل المقاييس،ولم يأتِ الحكم دون أسس بطبيعة الحال.
المحكمة قالت إن الكردي سوف تعاد محاكمته إذا قام بتسليم نفسه، والأرجح ان الكردي لن يسلم نفسه، لانه لو أراد المثول طوعاً أمام القضاء، لامتثل منذ بداية المحاكمة، ولم يغادر الأردن أساساً، قبيل بدء المحاكمة.
الاتفاقية القضائية بين الأردن وبريطانيا التي تم توقيعها قبل أسابيع، تفيد الأردن في جلب الكردي عبر وسائل قانونية، هذا مع الافتراض بأن الكردي في بريطانيا أساساً، ولن يغادرها إلى أماكن اخرى، بعيداً عن الانتربول والاتفاقيات القضائية.
معلومات تقول إن الرجل لم يعد في بريطانيا، لانه لن ينتظر ترحيله قانونياً إلى الأردن، ومغادرته لندن جرت قبل صدور الحكم.
في قصة الفوسفات مفارقة كبيرة، فهذه الشركات وغيرها، تتبرع بالفتات والصدقات للمجتمعات المحلية، من طرود الخير والمواد الغذائية، وصولا إلى مبالغ مالية تافهة جداً ، تدفع للفقراء والأيتام والمساكين في تلك المناطق وغيرها.
في مقابل هذه الأفعال الخيرية التجميلية يتم نهب موارد البلد، بمئات ملايين الدنانير، وهكذا تتضح مشروعية غضبة الناس في تلك المناطق، الذين خرجوا مراراً للاحتجاج على الفساد، و الغنى المستجد مقابل الفقر القاتل في مناطقهم.
هذا على صعيد شركة واحدة، و الملفات الاخرى المؤجلة والحاضرة، تشي بالكثير، مما يعيدنا الى الكلام عن ملف الفساد بكل تفاصيله.
قضية الكردي محرجة بكل المقاييس،إلا ان احالة القضية للقضاء رفعت الحرج عن مؤسسات واسماء، من جهة، وقال ان لاخط أحمر في ملفات الفساد، ولابد حتى تكتمل الصورة أن يتم فتح بقية الملفات المؤجلة، كي لانبقى ندور حول انفسنا بشأن ملفات الفساد طوال عمرنا، بما لذلك من تأثيرات سلبية في الداخل،على مستوى الاستقرار السياسي، وحتى لاندفع ثمناً كبيراً من سمعتنا أمام العالم.
كيف تم ترك شركة الفوسفات لتصل الى هذه الحالة، ولم يتم التنبه منذ البداية الى وجود اختلالات،وصلت الى ذروتها التي نقرأها برقم يتجاوز الربع مليار دينار.
هذا مبلغ كان كفيلا بانعاش كل مناطق جنوب المملكة، ولربما انعاش كل محافظات المملكة بلا استثناء، التي تئن تحت وطأة الفقر؟!.
الكردي ربما ليس في بريطانيا، وعلى هذا سندخل قريباً في معركة ملاحقة دولية للرجل،لان الحكم عليه، لايفيد إلا في تجريمه المعنوي، فلم نسترد المال من جهة، ولا الرجل أيضاً.
يبقى احتمال يقول انه قد يكون هناك ترتيب بين عمان ولندن من أجل هذه المرحلة، وهذا الاحتمال ضعيف جداً،لان البريطانيين غير قادرين على منع مواطن بريطاني من مغادرة بريطانيا، مالم يكن هناك حكم قانوني.