معان تستحق الإهتمام
معان تستحق الإهتمام
راتب عبابنه
تخلل الفترة القريبة الماضية أحداث شغلت وما تزال المجتمع الأردني وهي حديث الساعة وحديث البلد. ورافق هذه الأحداث الكثير من البحث والتحليل والتعليق من قبل الكتاب والمحللين والمعنيين سواء من خلال الصحافة الإلكترونية أو من على شاشات الفضائيات أو عبر الصحافة الورقية. ما رصدناه كمراقبين ومتابعين أن هناك شبه غياب حكومي, إذ حقيقة الأمور تبقى غامضة والروايات متعددة ومختلفة والحال المتصاعد لا يلقى الإهتمام المطلوب من مؤسسات الدولة المعنية.
في العالم الحقيقي, والذي أعتقد أن مسؤولينا ينهجون شعاراتيا ولفظيا أنهم ينتمون إليه وعمليا وواقعيا يثبتون أنهم ينتمون للعالم الثالث لا تغيب عنهم الفوقية ولا يفارقهم الشعور بالتعالي, نرى رئيس الحكومة يخرج على الناس ويوضح حقيقة ما يحدث معطيا الأسباب المؤدية للوضع الراهن والنتائج والحلول التي ستقدمها الحكومة للخروج من الحدث كي لا تبقى الناس بين حيص وبيص ولقطع الطريق على اختلاق الروايات المضللة للرأي العام. لكن ما يجري محليا أن رئيس الحكومة يغيب عن الأحداث ولا نسمع منه تصريحا ولا نراه يقوم بزيارة المناطق التي تستوجب زيارة صاحب الولاية العامة. أظن أن التحلي بهذه الروح وهذا التقليد أفضل وأجدى من استنساخ الكازينوهات والمحرمات.
ما جرى بجامعة الحسين مشهد غاب عنه الرئيس ولم يلقى الإهتمام المطلوب وبقيت الجامعة معلقة دوامها بحدود الأسبوعين. ذهب بعض الرسميين بأسلوب الجاهة العشائرية للوقوف على أصل المشكلة والوصول لحل يرضي جميع الأطراف بهدف حقن الدماء وقتل الفتنة. وما وصلت إليه الأوضاع في معان الملتهبة والعاصية وما تستوجبه الحالة من إظهار الإهتمام اللائق بالحدث المقلق, لم يحاول دولته, صاحب الولاية العامة, زيارة معان للوقوف بنفسه على ما يجري. ربما ما زال ينتظر ليقول “أمرني جلالة الملك”.
وحقيقة رأيناه حاضرا ومندفعا ومستغلا لكل فرصة مواتية ليشرح قوانينه وكيف سيتم تطبيقها ولا يترك جزئية إلا ويشبعها شرحا وتوضيحا. غالبية المرات التي نشاهده بها على الفضائيات تكون متعلقة بما ينوي اتخاذه من قرارات تذبح المواطنين كالكهرباء والمحروقات والدعم المذل مقابل غلاء المحروقات. الأحداث التي تعصف بمعان والعصيان المدني القائم حسب ما أكده أهلها من خلال وسائل الإعلام, والمعانيون بأطفالهم وشيوخهم ومرضاهم يجدون صعوبة بالغة بتأمين وتوفير احتياجاتهم اليومية من طعام وخبز وعلاج ورعاية مصالح, أليست هذ أسباب وجيهة وموجبة لتدفع دولة الرئيس بالقيام بزيارة مدينة معان والإجتماع مع كبارها وشيوخها ووجهائها ومسؤوليها للوقوف على حقيقة الأمر وطمأنة الناس للعمل على التهدئة والإستماع لأوجاعهم؟؟
مثلما نرى نشاطه وحركته الدائمة وتخصيصه ساعات من وقته الثمين للمقابلات التلفزيونية لتأكيد مضيه باتخاذ قراراته الموجعة, كنا نتمنى على دولته أن يتحلى بنفس الروح التي تقوده لزيارة مدينة عزيزة علينا تحتاج للكثير من الإصغاء. هناك تراشق بالأسلحة بين رجال الأمن والدرك وبين البعض من أهل معان, وهناك قطع للطرق, وحرق إطارات, واعتداء على دوائر حكومية. وما هذا إلا انفلات أمني يعود لتقصير الدولة وتباطئها مما جعل وزير الداخلية يقول: “أن الأمن سيفرض بعقلانية” والكلمة الأخيرة جاءت بذكاء ودهاء لتخفيف حدة كلمة “سيفرض”.
مثلما نقر بفرض الأمن بحال الإنفلات والتمرد والخروج الجماعي عن القانون, نقر كذلك أن ما يجري هو حصيلة تراكمات من التقصير وربما استغلت وغذيت من قبل برامكة لا يخافون الله بالأردن. إذا قصرت الحكومات السابقة بحق معان أو غيرها, هل ذلك يعطي المبرر للحكومة الحالية أن تقتدي بسابقاتها؟؟ أم تحاول الإعتراف بالواقع وتعلن أن الرسالة قد وصلت وتعطي وعدا على الأقل بالعمل على الحل بأسرع ما يمكنها؟؟ الإقتداء بطبيعته يكون بالحَسن وليس بالسيء, أليس كذلك؟؟ أليس تقديم الحلول هو أحد الأسباب التي وجدت الحكومات من أجله؟؟ لا حلول تقدم يعني لا مبرر لوجود الحكومة أو استبدالها بأخرى جادة وعازمة على الأداء السليم. هل قدر الأردنيين أن يبقوا واقيات صدمة لقوانين مجحفة وظالمة والمشكلات وحلها أمر ثانوي لا يستدعي اهتمام الحكومة؟؟
نلاحظ تحولا واضحا بنهج الحكومات نحو التقاعس والتراجع عن الإهتمام بحل المشكلات, بل هناك توجه نحو تكريسها وتركها عالقة لإشغال الناس وإلهائهم مما يشكل خطورة بالغة على مستقبل البلد. وما يزيد الطين بلة, اللجوء لقوانين ضاغطة نصيبها من القبول الشعبي عند الصفر أو دونه, تدفع بالناس للإستسلام الحذر والقبول الظاهري المصاحب لردة فعل غابت عن حساب الحكومة مع غياب من ضمير وطني يتفق مع معارضي الإصلاح وينحو منحى التأجيج والإستفزاز وخلق الفوضى وتهيئة أسباب الإنفلات لخلق المبررات التي تبيح القول أن الأمن بخطر ويستوجب فرضه. والأمن يفرض كأي أمر آخر على الغير بالقوة والقهر وعدم مراعاة وتقدير النتائج والتبعات اللاحقة. نستذكر وللعبرة, أن الإمبراطورية العثمانية بأواخر عهدها الإمبراطوري كانت تلقب بـ “الرجل المريض” بسبب تفاقم التذمر وعدم رضا الناس وغياب الحلول التي يطمح لها الناس بالإضافة للظلم والتنكيل والتعسف كوسائل ممنهجة مورست حتى لم يعد بمقدورها السيطرة وفرض هيبتها, وانتهت على وقع الإستعمار الغربي وما صاحبه من وعود خادعة للشريف حسين بن علي لم تنفذ.
كما نلاحظ وعند القيام بخطوة تنسجم مع الرغبة الأمريكية وتحقق مصلحة لها, يتم طرحها وتقديمها بطريقة احترافية وبديباجات عاطفية وتجيَّر على أنها بإرادتنا وخير لنا ويصور الأمر وكأن السماء ستمطر عسلا ولبنا على الأردن. وعند بروز حاجة لخدمات ما بمنطقة ما تقلق الناس وتنغص عيشهم وتعيق سير حياتهم اليومية، نواجه بالوعود وبقلة المال المرصود وضيق ذات اليد، وربما الأمر لا يتجاوز بمجمله مياومات ومصاريف وزير لأيام معدودة. وهناك مثلا قانون تسليم المطلوبين بين الأردن وبريطانيا. القانون يخدم بريطانيا بالمقام الأول لأنها تعرضت لانتقادات شديدة اللهجة من منظمات حقوق الإنسان والمحامين والصحافة بخصوص المدعو أبو قتادة وحان الوقت الذي تتخلص من وتنهي ملفه.
نعود لمعان جوهر موضوعنا. تاريخيا, هي حاضنة انطلاق للثورة العربية الكبرى ببلاد الشام، وكانت حجر زاوية وركيزة أساسية من الركائز التي استقبلت وشدت من أزر الملك المؤسس وقامت على أساسها الدولة الأردنية بقيادة الهاشميين. وعشائرها الوطنية وقياداتها ونخبها إخوان نحترمهم ونجلهم وهم جزء من الوطن الأردني الذي لا يقبل غياراه وأحراره أن يلحق بهم ضيم أو إجحاف أو تقصير بحقهم من قبل الدولة.
معان تفتقر لمشاريع التنمية التي تنهض بمجتمعها المحلي وتفتح الباب أمام توفير فرص عمل، كما تنقصها الخدمات ووسائل الترفيه (لا نطمح لديزني لاند على نمط فلوريدا) بل ما نطمح له هو ما يروّح عنهم وعن أطفالهم كباقي الأردنيين وأسوة بأردنيي عمان. والأردن ليست عمان فقط بل هناك أحد عشر محافظة أخرى جميعها لديها مشكلاتها التي تنتظر حلول الحكومة. نضيف لذلك بعدها جغرافيا عن باقي المحافظات التي يمكن أن توفر فرص عمل مما يحتم على الدولة إيلاءها اهتماما خاصا واستثناءً يتناسب مع موقعها وترامي أطرافها.
مصنع الزجاج الذي أقيم بالبيئة المناسبة له (معان) حيث يتوفرالرمل الصحراوي, المادة الأساسية لصناعة الزجاج. وكان هذا المصنع مصدر رزق لمئات العائلات التي يعمل أبناءها به. أغلق هذا المصنع الحيوي والإستراتيجي لمعان وللأردن بسبب سوء الإدارة وبعدها عن موقع العمل. مشاريع أخرى كان يزمع تنفيذها هناك وفشلت أو أفشلت أو أجهضت والأسباب غامضة وغير معلنة والفساد والفاسدون ليسوا أبرياء من هذا الإجهاض.
معان وأهلها يستحقون اهتماما كبيرا وعاجلا من كافة مؤسسات الدولة حتى لا تتفاقم الأمور وتتمدد لمحافظات أخرى وتخرج عن السيطرة لا قدر الله. إن فرض الأمن، رغم ضرورته، لا ينهي معاناة معان ولا يقدم الحل للمشكلات الإقتصادية والتنموية ولا يقضي على البطالة ولا يفتح مراكز علاجية ومدارس ولا يوفر خدمات ضرورية. وليس من العدل أن يؤخذ الجميع بجريرة نفر “خارج على القانون”.
رغم أننا من دعاة هيبة الدولة وهيبة الأمن واحترام القوانين الناظمة لمسيرة الحياة, إلا أننا نؤيد بالوقت نفسه الإبتعاد عن العنف والتخريب والإعتداء على الممتلكات العامة والخاصة واستخدام القوة المفرطة. والدولة تفرض هيبتها وتكسب ثقة الناس بها إذا عملت على تحقيق أمور نسرد منها:
ـــ تحري الصدق والتوافق بين الأقوال والأفعال.
ــــ اتخاذ الشفافية منهجا بديلا عن المراوغة والمناورة.
ـــ العدل والمساواة بين الجميع وتطبيق القوانين بنزاهة ودون تحيز.
ـــ التعامل مع المواطنين على أنهم سواء أمام القانون, لا استثناء لكبير أو وجيه.
ـــ محاربة المحسوبية والواسطة وقطع دابرهما.
ـــ نبذ النهج المستخف بالعقول وضرب المثل الواضح باحترام المواطنين.
ـــ جسر الهوة المرعبة بين المسؤول والمواطن وأن تكون القداسة للمواطن وأن يعمل المسؤول بروح ونفس الخادم للمواطن.
ـــ البيروقراطية الموروثة عن العثمانيين ما زالت أسلوبا متبعا بالمعاملات والتعامل مع المواطنين إذ تهدر الوقت والجهد والمال وتسبب المعاناة النفسية مما يخلق سخطا من قبل المواطنين على استمرارية التمسك بما يعرقل شؤونهم.
ـــ التخفيف من الرسوم والغرامات التي تفرض على المواطنين بالدوائر الحكومية, إذ يهيأ لنا عند دخول دائرة تحصيلية أن ميزانية الدولة تعتمد على ما تجنيه تلك الدائرة من أموال المواطنين.
ـــ رفع الرواتب وخصوصا رواتب القوات المسلحة وبالذات الأفراد وضباط الصف. بالإضافة لرفع رواتب قوات حفظ وفرض السلام الذين يتعرضون للخطر والموت والغربة والإبتعاد عن ذويهم. ونعلم أن الدولة تتقاضى مقابلا ضخما على الفرد مقابل اشتراكه بقوات السلام. فالمطلوب هو التناسب المعقول والمقبول والعادل بين ما يتقاضاه الجندي وبين ما تتقاضاه الدولة على الجندي. وعلينا ألا ننسى أن الجنود بكافة صنوفهم هم أبناء الشعب الذي يعاني من صلف الحكومات, ويتأثر بما يتأثرون ويفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم.
عند العمل بهذه الثوابت الدستورية وغيرها مما اقتضته الظروف وممارستها حسب نصوص الدستور، نكون حكومة وشعبا قد تجنبنا كل ما نراه من شغب ومعارضة وحراكات. وأجزم أن الدولة بتطبيقها ما سبق, تكون استعادت ثقة الشعب المفقودة وهيبتها المهزوزة وتكون قدمت أداءً وجدت من أجله أصلا.
سبق بغير مقال أن ذكرت أن الأردنيين ليس من طبعهم حب الخروج للشارع للإحتجاج إلا إذا تواجدت أسباب وجيهة وشديدة القوة تدفع بهم للخروج والإحتجاج. فلو كانت الدولة وسياساتها ونهجها خالية من القصور والعيوب والإجحاف لتجنبنا الحراكات والمظاهرات والصدامات والمطالبات المستمرة. الحكمة تقول : “خذ حق وأعطي حق”. فبكل بساطة لو قامت الدولة بما عليها القيام به تجاه الشعب لوجدت شعبا يدعوا لها لا عليها. وللإنصاف نقصد بالدولة هنا الحكومات المتعاقبة جميعها وليس الأمر حصرا على الحكومة الحالية.
فصبرا يا معانيون صبرا، رغم علمنا أنكم صبرتم وتحملتم وسراعِ يا حكومة سراعِ بالعمل على حل ما يمكن حله من مشكلات مع توخي الحكمة والتعقل من الجميع. ولتعلموا دولة ومعانيون أن الأدرن بحاجة أبنائه وهناك من الهموم التي يواجهها الوطن ما يستدعي التكاتف والتلاحم والوقوف الصلب لتبديدها لننعم بالعيش بأردن آمن مستقر يحافظ عليه الغيارى.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com