حكومتنا تطبق القوانين انتقائيا
حكومتنا تطبق القوانين انتقائيا
راتب عبابنه
ما يزعج المواطن الأردني ويجعل منه ميالا لنقد الحكومات ويدفعه لعدم الرضا ما يلمسه واقعا من النهج المتبع بالتطبيق الإنتقائي للقوانين خصوصا عندما يتعلق الأمر بشان يخلق (من وجهة نظر الحكومة) إزعاجا لها. وعندما يتعلق الأمر بشأن يتوافق مع خطها فهو مبعث للراحة ويجب أن يدعم ويروّج وعلى الجميع احترامه. أما إن كان هناك أمر يصب بصالح الشعب ويريحهم ويحقق له حلما فهو موضع شك ويقابل بالمماطلة والتسويف ويجب أن يعطل ويحارب بشكل مباشر أو غير مباشر.
هناك عشرات بل مئات المطالب التي ينادي بها الشارع ونعني المطالب الشرعية والمنطقية التي لو تحققت لركن الناس للهدوء وانصرفوا لشؤونهم وتجنبنا الصداع الشديد الذي عانينا منه ما يزيد على السنتين. من البديهي ومن حق المواطنين أن تلبي الدولة احتياجات مواطنيها وتعمل على تحقيق ما يريحهم وهي المسؤولة عن تأمين ما يلزم الشعب لجعله منصرفا لشأنه قارنا انصرافه هذا بالدعاء للدولة ومقدما امتنانه مما يولد الثقة وتسير الأمور بطبيعتها وبتلقائيتها.
أما اللجوء للعبة القط والفأر فلن تجدي ولن تعمل على إقناع الناس بأن الحكومة تقوم بالصواب. بدول العالم الواقعي, تتبدل الحكومات ولديها برامج تجتهد بها كي تتفوق على سابقاتها بخدمة مواطنيها. أما بوطني, تأتي الحكومة شاحذة سكاكينها للذبح والسلخ لتزيد من التحدي للشعب وتستفزه ليكفر بها وبكل ما تصنع. حكومتنا الحالية لم نرى منها إلا رفع الأسعار, والترهيب بهبوط قيمة الدينار, والإفلاس إذا لم يتم رفع سعر الكهرباء, وتحميل الأردن ما لا تقوى على حمله الدول النفطية بفتح الباب على مصراعيه للاجئين, والقائمة تطول.
نسوق هذه المقدمة وبالذهن ما يشغله ويقلقه ويخيفه بعد حجب المواقع الإلكترونية غير المرخصة. نحن مع التنظيم وتطبيق القوانين بكل الأحوال والظروف وعلى الجميع دون استثناء وكما قال جلالة الملك “لا أحد فوق القانون”. وكنا نتمنى أن تطبق القوانين الأردنية على كل مخالف وعلى من لا يلتزم بها ولا يحترمها وعلى من يعمل على إيذاء الآخرين والإضرار بحقهم وممتلكاتهم سواء باليد أو بالقول. والإيذاء باليد يمكن أن يأخذ شكل الإعتداء الجسدي المباشر, أو الإعتداء على ممتلكات الآخر. أما الإعتداء بالقول يمكن أن يأخذ شكل الإفتراء أو الكذب أو إخفاء الحقيقة او أن ينسب شخص لشخص آخر ما ليس به.
لا ننكر أن قلة من المواقع الإلكترونية المرخص منها وغير المرخص تحاول بين الحين والآخر اختلاق أخبار مغرضة من شأنها التوتير والتأزيم والتهييج مما يخرجها عن المأمول منها كمصدر للخبر اليقين والمعلومة المفيدة والرأي الخلاق والنقد البناء. وبعيدا عن الترخيص وعدمه, لماذا لم تتخذ بحق المواقع المخالفة للمعايير الصحفية أية عقوبة؟؟ يمكن إنذار الموقع المخالف ثم حجبه لمدة محددة بحال كرر المخالفة. هناك عدة جهات تعنى بالعمل الصحفي ومراقبته مثل نقابة الصحفيين وتنسيقية المواقع الإلكترونية وغيرهما وهي جهات رديفة للدولة وتحرص على الأداء المهني النظيف أكثر من حرص الحكومة القائم على ما يتوافق مع نهجها ونهجها فقط. ولماذا لا تترك المواقع التي تحترم نفسها وقرّاءها وتلتزم بالمادة الخبرية وتبتعد عن الدس وتتحرى الدقة والحقيقة وتمارس دورها بمهنية ولا تخرج عن الأعراف والموازين الصحفية بطرحها للخبر ومدى ملاءمته للنشر, لماذا لا تترك وشأنها؟؟
توقيت الحجب جاء ليزيد التوجس والحساسية بين الناس والحكومة وبين الحكومة والجسم الصحفي. وهذا يدفعنا لسؤال الحكومة ممثلة بدائرة المطبوعات والنشر وبمديرها السيد فايز الشوابكة: مالذي جعلكم تغضون النظر عن طلب الترخيص لسنوات طوال منذ دخول الإنترنت للبلاد؟؟ وهل الترخيص يجعل لدى المواقع مصداقية وحرفية؟؟ رئيس تحرير الموقع وإن لم يكن صحفيا فهو يعمل ضمن فريق صحفي مدرب يمكنه استشارتهم والعمل بنصحهم كلما استدعت الحاجة. هناك وزراء يرأسون وزارات تحوي آلاف الموظفين واختصاصه الأكاديمي لا يمت بصلة لاختصاص الوزارة.
على سبيل المثال لا الحصر, السيد عبد الرؤوف الروابدة صيدلاني وليس مهندسا وعمل أمينا للعاصمة ووزيرا للأشغال وأبدع بالموقعين. فلماذا استقصاد المواقع الإلكترونية بهذا الوقت و بهذا الظرف المأزوم والناس محتقنة؟؟ فما الذي ترمون إليه من هذا الخنق والتضييق بوقت يتوجب علينا به جميعا الإنفتاح والمكاشفة؟؟ هل تودون صرف الناس عن امر أنتم فاعلوه؟؟
ونود أن تجيبنا الحكومة الفائقة الرشاقة بالضغط عن : هل ما نمر به مواطنين ووطن من ظروف سيئة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ومعيشيا وأمنيا ملائمة لخلق صداع جديد؟؟ ألم يكن الأجدر بكم السعي للتهدئة واستمالة الشارع والصحافة لصفكم من أن تخلقوا صداما مع الصحافة وتتحاشوا قدرتها على تعبئة الشارع وأنتم تعلمون مدى تأثير الصحافة والإعلام على الرأي العام وتشكيله؟؟ كان بمقدوركم العمل على استعادة ثقة الشارع والصحافة بدلا من تكريس وتعزيز حالة المناكفة والإستفزاز. لكنكم صنعتم كدجاجة حفرت وعلى رأسها عفرت.
الصحافة الحرة والمسؤولة والملتزمة بالخطوط العريضة لثقافة المجتمع هي عضد للدولة وتعمل على التنوير ونشر المعرفة والبحث عن المعلومة والخبر مثلما تعمل على التهدئة, وهي نفسها تستطيع أن تصنع العكس عندما يضيق عليها وتعد عليها الأنفاس. ومهما كانت المعلومة ومهما كان الخبر فلكل قُرّاءه ولكل باحثين عنه. وعلينا أن نسجل احترامنا وتثميننا للمواقع الإلكترونية وناشريها ورؤساء تحريرها والعاملين والمساهمين بها من كتاب ومحللين ومراسلين للدور الوطني التوعوي الرائع والإيجابي والبناء عندما ساهمت أو بالأحرى بادرت وأخذت على عاتقها ومسؤوليتها كشف المرض المستشري, الفساد وأصحابه, وقدمت من الأدلة والوثائق ما يثبت تورط الكثير من علية القوم بالفساد والسرقة والسمسرة والبيع وصارت الكرة بمرماكم, فماذا صنعتم وماذا أنجزتم وماذا قدمتم للوطن؟؟
أما إن أردتم صحافة مستنسخة عن صحافة أنتم تمولوها لتطبل لكم وتمدح سعيكم وتنسب لكم الفضل القائم على الشعارات اللفظية المفرغة من المحتوى كصحافة اللاطين ببعض الدول العربية بالداخل والخارج والممولة بالدولار والجنيه الإسترليني واليورو, فأنتم تنحون منحى التضليل والتعتيم ولا نية لديكم بالإصلاح والصلاح. وهذا وضع لا ينسجم معه إلا النفعيون والمنافقون. أما إن أردتم صحافة تنير الدرب وتترصد للطفيليات وتساعد بملاحقة السماسرة فعليكم بنهج الحكمة والتقليل من الإحتقان والتخفيف من الضغوط.
كلمتيّ “الفساد والفاسدين” هما الكلمتان الأكثر ترددا على ألسنة الأردنيين فرادى وجماعات وصحافة وإعلام. الفضائيات الأردنية شغلها الشاغل الحديث عن الفساد والفاسدين والظلم والإنتقائية عند تطبيق القانون. ونرى القانون الواحد يطبق على الضعفاء فقط ولا يطبق على الكبار والأقوياء بمالهم ومواقعهم والمتنفذين والذين أوصلوا الوطن للعوز والفاقة.
طالما أن هناك قوانين والحكومة جادة بتطبيقها واحترامها ولا خيار أمامها إلا المضي بما عزمت عليه, أليس بالدستور الأردني ما يحاسب الحرامية والسارقين الذين سرقاتهم أهلكت الوطن وجعلت منه مستجديا ومنتظرا لمعونة من هذه الدولة ومنحة من تلك؟؟ لماذا لا نرى نفس الجدية والعزم ونفس الإصرار عندما يتطلب الأمر تطبيق القانون على الكبار والأقوياء؟؟, هل هناك نصوص لا نعلمها تنصف القوي أمام الضعيف أم أن دستورنا ينص على أننا جميعا أمام القانون سواء؟؟ أليس هذا ما تسمعونا إياه عندما يتطلب الموقف منكم التغني بالقانون؟؟ ألستم دائمي التذكير بأن الأردن دولة قانون ومؤسسات؟؟ ها نحن كلنا رجاء لتطبقوا القانون بالعدل وتفعلوا دور المؤسسات بالحق. ألستم تقولون ما لا تفعلون؟؟ ألستم مرددين لشعارات لا تطبقوها وإن طبقتموها فتكون على الضعفاء؟؟
مالذي يجعل الدولة بكافة أجهزتها عاجزة أو محجمة أو ممتنعة عن تطبيق القوانين التي تحاسب البرامكة والدخلاء الذين تولوا أمرنا دون حسيب أو رقيب ودون مراعاة لحقوقنا وأفقروا البلاد والعباد؟؟ لماذا إن سرق ذو حظ عاثر ليأكل وليطعم أبناءه من حاجة سببها البرامكة تسارعوا لسجنه وتغريمه وطرده من وظيفته؟؟ هذا مع إقرارنا أن السرقة مهما كان حجمها تستوجب العقوبة. بالمقابل, علية القوم سرقوا وهم ليسوا بحاجة (سرقوا الوطن) وباعوا ما لا يملكون (باعوا مقدرات الوطن) واعتلوا وهم ليسوا أهلا للإعتلاء (وهم من البطانة وبمواقع متقدمة جدا). وعند الإشارة لفسادهم من قبل كتاب غيورين أو مواقع إلكترونية مسؤولة, يفسر ذلك اغتيالا للشخصية وافتراءا تنقصه الأدلة, ودولة النسور يطلب من المواطنين تقديم أدلة ووثائق تثبت صحة ما يشيرون إليه من فساد وكأن الأمر لا يعنيه البتة معطلا بذلك دور الرقابة وكل الجهات المعنية.
أليس هذا العجز بعينه؟؟ والتواطؤ كذلك؟؟ أليس هذا طرح يبتعد بصاحبه عن احترام عقول مستمعيه ويقترب من استصغارهم والحط من وعيهم وذكائهم؟؟ أليس بهذا النهج تتم حماية من يعمل على تدمير الوطن؟؟ اليس بنفس النهج يتم إطفاء مصدر النور والتنوير لنعيش بالعتمة وربما الظلام لا نستطيع تحسس ما حولنا؟؟ لماذا لم يطبق القانون بحذافيره على من يسمون “عبدة الشيطان”؟؟ كيف وأي قانون وأي قاضٍ برأهم من ممارساتهم الشيطانية وطقوسهم التي فعلا تكرس الفعل الشيطاني؟؟ أين أنتم من تطبيق القانون على هؤلاء الزنادقة والمثليين؟؟ هل لأنهم من طبقة الإليت تمت تغطيتهم كما غطي ذويهم؟؟
لقد جاء الحجب للمواقع الإلكترونية كمن يقول كلمة حق يريد منها باطلا. أكاد أجزم أن ما وراء ذلك ليس التنظيم والحرص على احترام القانون, بل التضييق على الصحافة وختقها وتحجيمها كي لا تقوى على أداء دورها الفاضح والكاشف للمستور من العفن التآمري على الوطن والمواطن وحتى تُقصى عن تمرير ما ينتظرنا ويعمل عليه البرامكة من وطن بديل وتوطين وجلب الأمريكان والدوران بفلك المتباكين على الشعب السوري وغير ذلك من القضايا الخطيرة التي نرى بعضها قد صار واقعا والبعض الآخر ما زال ينتظر.
كنا نتوقع وننتظر من الحكومة عدم اللجوء للإنتقائية والمزاجية وجلالة الملك دائم التأكيد على النهج الإصلاحي والديموقراطي والإنفتاح على العالم الخارجي, وهو الذي كان يعمل ليجعل الأردن مركزا لتكنولوجيا المعلومات. وهذا لا يتأتى بظل التعسف وتكميم الأفواه والتضييق على المواقع الإلكترونية التنويرية من تأدية رسالتها وأن تستمر بدورها المشرف والإيجابي الذي مارسته بغالبها وكشفت الكثير من الأمراض المستعصية التي نخرت أجسامنا وأسقمت الوطن.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com