عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

على شاطىء أكثر رعونة!

بعض النصوص تكتبك، ولا تكتبها، ويحلو لك العودة لها بين حين وآخر، وفي كل مرة، تصاب بالدهشة، وتنظر إليها وكأنها صادرة عن شخص آخر، وهنا تحديدا، وجهة نظر، فأنت حينما ترى نفسك في لحظة ما مضت، تكون أكثر قدرة على تبين مكان خطوك القادم، أو لا تتبين شيئا على الإطلاق، وفي كل مرة تقرأها، تشعر انك تعيد كتابتها من جديد أو تعيد كتابتك، لا فرق!

أستأذن القارىء العزيز، في قراءة أخرى لشيء من نص قديم، أعيد نبش محتوياته، على نحو أو آخر، كان يومها، بعنوان «على شاطىء أرعن» لأكتشف، أن ثمة شواطىء أكثر رعونة بكثير!

بين إغفاءة عابرة وسِنَةٍ من نوم، ينشق الأفق عن ثغر باتساع الغياب.. فأمضي إلى أقرب متكأ، وألمُّ شَعْثي وأجْمَعني في أقحوانة، وأغسل وجهي بقطرات الندى، على أمل أن أفيق.. فيفتر ثغر السماء، وتحملني نسمة إلى غيمة شاردة.. فأترك للريح روحي، لتهمي على نرجسة تتمطى على وقع رشة عطر صباحية..!.

أنا ابنك أيتها الريح المشبعة بغبار الطلع، المترعة ببتلات الزمان، بفنجان قهوة، بمطلع قصيدة جاهلية، ببيت شَعَر، مليء بنار القِرى، وجاعد تغفو عليه ربابة، وآثار عازف!.

أنا ابنك أيتها الأم التي ولدتني للمرة الثانية، ولم تشأ أن تقطع حبْليَ السّري، لنبقى واحدا، متصليْن على المدى، فيلتف حولي، فلا أتنفس إلا برئتيها، ولا ينبض قلبي إلا بقلبها، ولا يتدفق دمي إلا عبر شريانها..!.

أيأتي الربيع في عز ليل شعرك؟ أتهمي النجوم بقطرات الضياء نهارا لتبتل جدّولة الشمس؟ هل يتعفر خد السماء برذاذ دموع السنونو المهاجر؟ هل تستطيع الغزالة أن تقطع المسافة بين دمعتين برمشة عين؟ هل تستطيع بتلات الزهور الاحتماء من الريح بالريح كي لا تقتلعها؟ وهل يمكن أن يعود الوليد إلى بطن أمه بحثا عن الدفء في ليلة صقيعية ناشفة؟.

سأمضي إلى أقرب أفق، وأسند ظهري إليه، وأطوي تحت إبطي ضمة من غيوم، لأعتصرها وأنثر قطر الحياة فوق عين الزمان لتبكي.. إلى أين تمضي بي هذه الموجة المتمردة؟ أأترك للريح قَدَري إلى حيث تبغي؟ أألمّ شراعي، وأسلم للموج روحي، لترسو على شاطىء أرعن، (أو اكثر رعونة من ذي قبل)؟ هل تستبد بي اللحظة الشاردة، لتحملني حيث اللامكان واللازمان واللاوعي؟ هل أستقيل من دفاتري وخربشاتي، واترك للريشة أن ترسمني على أوراق الشجر الخريفي المتطاير؟ هل أخرج مني، لأعود إلي، أو إلى رصيف، يتسكع في كتاب القراءة، مع كل أخطائه الإملائية؟ هل أستعيد مواضيع إنشائي الطفولية، لتحتل صفحة مقالاتي، وأشعاري الابتدائية؟.

ثمة في العمق شوق إلى شجرة وحيدة، تقف وسط غابة محترقة، أو جزيرة صغيرة منسية في بحر ناءٍ، أو بيت شِعْر لم يُكتب بعد، أو قافية هجينة حطت في قصيدة شاعر تفعيلة مبتدىء!

هي أسئلة بلا أجوبة، كتلك الرغبة الآسرة التي تدفع فراشة عاشقة للثم شفاه الضوء، حتى ولو احترقت به…

كانت أسئلة، تستولد أسئلة أخرى غير متناهية، وستبقى!