رحيل الهواء المُقنّع
اعتدنا عليه من رجل امضى سنوات عمره في السجون , رحل ابو علي شاهين , رحل الى ثرى غزة التي احب والتي غادرها ابان الانقلاب او الاعصار او الشتات الفلسطيني , رحل رجل الحكمة بعد ان شاب قلبه قبل شعره , فقد عرف كل المنافي وعرف كل السجون وتلاقى مع الموت في اغتيالات متعددة لكنه آثر ان يرحل بصمت المؤمنين الموقنين بأن فلسطين حالة ثقافة وشعب دائم وقضية مفتوحة الى يوم النصر .
رحل دون ضجيج وبخطوة اعتاد الكثير من الرفاق والاخوة عليها رغم استعماله العكازة مؤخرا , الا ان خطوته ظلت دبيبا , وظلت مثل صوته خافتا في الحديث قويا في الحق جهورا في الدفاع عن فلسطين وعن فتح الفكرة التحررية , فتح الخالية من الدنس والزيف , القابضة على جمر البندقية , والامينة على تراث الشهداء وذكراهم .
في عمان كان اللقاء الاول , سريعا برفقة المرحوم محمد البلبيسي الذي انتقل الى جوار ربه في منزلي وظلّت ضحكته تجلجل الى الآن في المنزل , وبعدها كانت العلاقة الطويلة معه في بغداد وتحت الحصار وقبيل اوسلو التي لم يتوافق معها وعليها , لكن الختيار رحمه الله نجح في جذبه الى غزة تحت طائلة الوفاء , فحمل حقيبة التموين راجفا فقد حمل من قبل حقيبة اسر الشهداء في عمان وتركها ليقاتل في لبنان.
فكيف للحقائب ان تتبدل بهذا الشكل ولم نصل الى الدولة المنشودة والتحرير المأمول , في اخر لقاء في رام الله كان الحزام الناري يلهب خاصرته , وكان الحصار على غزة يلهب قلبه , وكانت اقامته في رام الله فاصلة عشرية في حياته واتجرأ فأقول كانت منفى داخل الوطن اكثر منها اقامة في الوطن المحترق من الابناء والاعداء , كان الحزن في عينيه واضحا , وكان الانكسار قد بدأ يتسلل الى الوجدان , فالبندقية الفلسطينية استدارت واخطأت الهدف وطالت الطلقة صدور الاشقاء وسط ضحكات الاعداء وشماتتهم .
ابن العم الغالي رفعت كلاب مدير الامن الوقائي في غزة واحد الذين تربوا على ذكرى ابو على شاهين رثاه بما يليق به , واستعير ما قاله على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي ففيها ما يليق برجل مثله “ رحل أبوعلي شاهين , رحل موسوعة التاريخ رحل ابوالكوفية السوداء , رحل المعلم , رحل العنيد , رحل ولكنه باق فينا , ففيه اللجوء والنزوح والهجرة والشتات وفيه الشهداء والمعركة وفيه الثورة والانطلاقة , فيه المطارد الثائر وفيه الأسير المبتكر الصامد , فيه المبعد الصابر , فيه التاريخ والقضية فيه كل جغرافيا فلسطين حتي الانقلاب ومرارته … أبوعلي ستغادرنا الي أحبابك وأصدقائك ومن صنعت “ .
رحل ابو علي الى رفاق الفكرة وبواكير التأسيس , علّ لقاء جديدا يجمعهم بعد ان فرقتهم المنافي والسجون , ثمة اجتماع لجنة مركزية على الابواب “ عرفات , ابو جهاد , ابو علي اياد , ابواياد , وابو علي شاهين وماجد ابو شرار وخالد الحسن “ ولن تُعلن نتائجه ولن نسمع بالقرارات والصبر والصمود , لكنهم يسمعون هم أنّات الشعب واحوال الامة .
الى رحمة الله ايها الخال العزيز والعزاء للشهيدة الحَيّة ورفيقة دربك الدائمة ام علي , والى الحبيب علي والى كل ابناء غزة واهالي بشيت جميعا والى الشعب الفلسطيني والعربي , فقد رحلت قامة وطنية عالية الى ربها .
omarkallab@yahoo.com