رواتب ثلاثة أشهر
القول بأن الحكومة قد لا تكون قادرة على دفع رواتب الموظفين بعد ثلاثة أشهر يقصد به التحذير من صعوبة الأوضاع المالية وعجز الموازنة وارتفاع المديونية، ولا يؤخذ بمعناه الحرفي.
في جميع الحالات فإن الحكومة لا تحتفظ برواتب ثلاثة أشهر قادمة في الصندوق لكي تتوقف عن الدفع عندما تنفد موجودات ذلك الصندوق، الحكومة تدفع رواتب كل شهر من الإيرادات التي تتلقاها خلال ذلك الشهر، ذلك أن نفقات الحكومة لا تقتصر على الرواتب وهي تبلغ سنوياً سبعة مليارات من الدنانير ليست متوفرة في الصندوق بل تعتمد على مبلغ ممائل من الإيرادات المحلية والمنح الخارجية والقروض التي ترد إلى الخزينة.
وعندما يقال أن احتياطي البنك المركزي يكفي لتغطية مستوردات خمسة أشهر فلا يعني ذلك أننا لن نستطيع الاستيراد بعد خمسة أشهر، ذلك أن الأرجح أن يرتفع احتياطي البنك المركزي شهرياً لا أن ينخفض، لأن المقبوضات بالعملات الاجنبية تزيد عن المدفوعات بتلك العملات، ويمول البنك المركزي المستوردات من حصيلة المقبوضات بالعملة الأجنبية التي تمثل تياراً مستمراً.
حتى أغنى الحكومات لا تتوفر في خزائنها أموال تكفي لدفع نفقاتها لعدة أشهر قادمة، فالنفقات تغطى من الإيرادات، والمدفوعات تغطى من المقبوضات والسيولة المطلوبة والمتوفرة في أية لحظة ليست مبلغأً كبيراً وليس هناك حالات يتواصل فيها الإنفاق وتنقطع الإيرادات.
عندما يقبض الموظف راتبه الشهري يصبح لديه سيولة تكفي لتغطية نفقات أسرته لمدة ثلاثين يومأً، ولا يعني ذلك أن الأسرة ستجوع في اليوم الحادي والثلاثين، ذلك أن الموظف يكون قد قبض راتب الشهر التالي، وهكذا تتم مواجهة النفقات القادمة من الإيرادات القادمة.
وعندما يقال أن البنك التجاري يحتفظ بسيولة جاهزة تعادل 25% من الودائع، لا يعني ذلك أن البنك سيتوقف بعد حد معين عن دفع الودائع، ذلك أن سيولته قد تزداد لأنه يلبي طلبات المودعين للسيولة من تدفقات المودعين كودائع جديدة أو إضافة لودائع سابقة وليس أدل على ذلك من أن حجم الودائع المصرفية يظل في ارتفاع مستمر بالرغم من السحوبات.
خلاصة الرسالة أن الوضع المالي للخزينة ليس مريحأً، وإن عملية الإصلاح يجب أن تتسارع، وأن القرارات الصعبة يجب أن لا تؤجل ولا تقابل بالتردد أو الاعتراض.