اسرار اسقاط سوريا للطائرتين الاسرائيليتين وسبب تكتم تل ابيب

وكالة الناس – ما زال الغموض الذي يبدو انه غموض متعمد، وربما بناء، يكتنف العملية التي سبق واعلن عنها الجيش العربي السوري يوم الثلاثاء الماضي بشأن إسقاطه طائرتين إسرائيليتين، الاولى حربية من طراز اف 16 في القنيطرة، والثانية طائرة استطلاع في سعسع قرب العاصمة دمشق.

 

وبمعزل عن حقيقة ما جرى في هذا السياق وعن اسباب التكتم الذي بدا انه نابع من مصلحة جماعية ومشتركة بين كل الاطراف والقوى المعنية والمتورطة في الحرب السورية، فإن النفي الاسرائيلي المتردد والمرتبك بشكل بدا واضحا للعيان، للواقعتين واعادة تأكيد حصولهما على لسان «ضابط سوري رفيع» لوكالات الانباء العالمية ذات المصداقية العالية هذه المرة ك«رويترز» و«وكالة الصحافة الفرنسية»، جعل المراقبين والمحللين يغوصون عميقا في تحليل الحدث، وبات استشراف حقيقته والوقوف على الاسباب الحقيقية الكامنة وراء المصلحة المشتركة للاطراف المتصارعين باثارة الغبار حول هاتين الواقعتين بغية التعمية على حقيقة ما جرى في هذا السياق هدفاً بذاته، قد يكون بات أهم من تحليل الواقعتين بذاتهما والقراءة في ابعادهما ولا سيما انهما يشكلان تحولا نوعياً في مسار الصراع العربي الاسرئيلي الممتد من 70 عاما من شأنه أن يقلب كل المعادلات القائمة في الشرق الاوسط رأسا على عقب ويعيد بوصلة الحرب لتتجه من جديد نحو العدو الازلي والتاريخي للأمة التي باتت مفروزة اليوم بين محورين يتقاتلان حتى على جدوى قتاله او مصالحته على قواعد تقديم الطاعة والتسليم بقوته «الجبارة» والعيش معه او في كنفه كما تعيش الخراف مع الذئاب.
في هذا السياق يكشف مصدر ديبلوماسي عربي لـ«الديار» ان اسرائيل خسرت فعليا الطائرتين، وان ثمة دلائل عديدة ظاهرة للعيان على ذلك، لن نذكر منها سوى ما ظهر، واولها ان الارتباك الواضح على مــستوى القيادة الاسرئيلية عقب الاعلان الرسمي للجيش السوري عن اسقاط الطائرتين وما تلاهما من تصريحات شبه متناقضة بين القيادتين السياسية والعسكرية من جهة اعطى انطباعا اكيداً على حصول الواقعتين فعلياً، ليأتي تعليق صحيفة «معاريف» الاسرئيلية بمثابة التوقيع الرسمي على مصداقية بيان الجيش السوري، حيث قالت: «يبدو أن الرئيس السوري بشار الاسد اختار عبر استهداف الطائرات الاسرائيلية توجيه رسالة الى القيادة الشمالية في الجيش تقول «إنني هنا وليس لدي نية بالمغادرة قريبا».
ويرى المصدر الدبلومسي ان ردة الفعل الاسرائيلية «المدروسة بعناية» مساء ذلك اليوم على الاجراء السوري، والتي تمثلت بقصف مربض للمدفعية السورية في عين البرج قرب بلدة قلعة جندل شرق مرتفعات جبل الشيخ، هي بمثابة عودة الى التزام اسرائيل بقواعد اللعبة وقواعد الاشتباك لتبعث برسالة واضحة الى المجتمع الدولي، والى القوى العظمى تقول فيها ان الاتفاق الذي ابرم بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا واشركت فيه كل من تركيا وايران ودول خليجية واخذت به علما دول اوروبية وغربية، لم تستثن منه سوى اسرئيل وحدها، وبالتالي فان هذا الاتفاق لم يأخذ مصالح الدولة العبرية الحيوية في الحسبان كونها تقضي بضرورة استمرار الحرب في سوريا، وضرورة مواصلة العمل وفق سياسة صب الزيت على نار الازمة لتأجيجها، وبالتالي، فان هذا الاتفاق لا يعنينا ونحن سنمضي في العمل بسياسة الاستثمار في تعميق الجرح السوري اكثر فأكثر، لكننا في المقابل فهمنا أن القوى العظمى التي سمحت للجيش السوري بإسقاط الطائرتين فعلياً بصواريخها ورادارتها واجهزة رصدها، انما رسمت بهذين الصاروخين حدود المعادلة الجديدة في سوريا وحدود المسموح لاسرائيل والممنوع عليها، وبالتالي أخذنا علما بذلك، ونحن نسجل بقصفنا هذا ضمن الخطوط المسموحة، اعتراضنا على هذا الاتفاق الدولي، وآلياته واستثناءاته، لكننا نؤكد على أننا ماضون في دعم الحركات الارهابية لوجستيا وعسكرياً ومعلوماتياً، ولكن على ان لا تتعدى اجراءاتنا تلك حدود الاستفزاز والتحرش لتذكيركم بأننا هنا أصحاب مصالح عليا، وعليكم ان تشملوها بحسبانكم في اي اتفاق جدي.
في المقابل، يكشف المصدر الديبلوماسي انه أيا تكن عناوين واسباب وشكل وصورة المعركة بين اسرائيل والقوى العظمى بهذا الصدد على الارض السورية وبسببها، فان الانجاز الذي تحقق باسقاط الطائرتين الاسرئيليتين، ولو اعتمد التكتم عليه سبيلا لتأديب اسرائيل وليس كسرها، الا ان مثل هذا التطور ان يؤسس لسابقة عظيمة بكل المعايير باعبتارها كسرت هيبة سلاح الجو الاسرئيلي، وهذا ما يمكن ان يؤسس لمعادلة جديدة تفضي في نهاياتها الى عدد المكاسب التي تكون اولى ثمارها المباشرة انها تخرج التفوق الجوي الاسرائيلي من معادلة الصراع، وذلك يكفي وحده لأن يضع حداً للعنجهية الصهيونية المتصيدة في الأزمة السورية بخسة بعيدة كل البعد عن فروسية المحاربين ، والمتماهية، بل الراعية لكل جرائم الحرب المقترفة على الارض السورية بشتى بشاعاتها.
وبالطبع، برأي المصدر، فإن اخراج معادلة التفوق الجوي من معادلات الصراع العربي الاسرائيلي يعني عملياً شارة البدء في تداعي أحلام الصهاينة ببقاء دولة الظلم والفتن، القائمة على اغتصاب كل القيم البشرية والدينية، والمتمردة دائما على كل الشرائع الاممية.