عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

دون الأسد .. السوريون يستعدون لاستقبال عيدهم لأول مرة منذ 14 عاماً

وكالة الناس – “بدون الأسد”.. لأول مرة منذ 14 عاماً، يحتفل السوريون بعيدهم بلا قيود وبلا خوف. عاد العيد هذا العام حاملاً معه دفء العائلة ولمّة الأحباب، بعد سنوات من الغياب، ولم تعد التهاني تقتصر على رسائل الهاتف، بل عادت الزيارات، واجتمع الأهل من جديد، حتى المقابر التي كانت محرّمة عليهم باتت مفتوحة لمن يحنّ لذكرى راحلٍ أو شهيد.

شوارع سوريا اليوم، تنبض بالحياة مجدداً. الأسواق المزدحمة تعيد للأذهان مشهداً افتقدته البلاد طويلاً؛ الأطفال يختارون ملابس العيد، والباعة ينادون على بضائعهم، والفرح يتسلل رغم الأعباء الاقتصادية التي لا تزال تثقل كاهل السوريين، لكنه العيد الأول في وطن يتحسس طريقه نحو الحرية، وعيد الحرية دائماً أجمل.

قبور الأحبة تستقبل زوارها من جديد
لطالما كان العيد عند السوريين يبدأ بصلاة الفجر، ثم بزيارة القبور، حيث يجتمع الأبناء حول ذكريات من رحلوا، يضعون نبات الآس على شواهد القبور، ويتلون الفاتحة على أرواح من كانوا يوماً جزءاً من أفراحهم. لكن هذا الطقس غاب لسنوات، كما غابت عن البلاد طقوس كثيرة، بفعل الحرب والتهجير.

مصطفى الكردي واحد من الذين حرمتهم الظروف من وداع أحبّتهم، كان لاجئاً في إسطنبول حين ضرب زلزال شباط 2023 سوريا، ليخطف منه أعزّ الناس، أباه وأمه، ولم يستطع السفر حينها لحضور جنازتهما، فبقي الحزن معلقاً في قلبه كجرح لا يندمل. لكنه، ومع السماح بزيارات مؤقتة إلى سوريا، عاد إلى مدينته لأول مرة منذ سنوات.

يقول مصطفى بينما ينظر إلى قبر والديه، إن “الفرحة كبيرة هذا العيد، بعدما استطاع كل مهجَّر أو لاجئ العودة إلى بلده لقضاء العيد مع أسرته، لكن هناك فراغ لن يملأه أحد. ربما سأقضي كل العيد هنا، أمام قبري أبي وأمي، أبكي على فراقهما، وعلى حسرتي لأنني لم أتمكن من تشييعهما يوم الزلزال.”

لكن مصطفى ليس الوحيد الذي يعيش هذه المأساة، فالكثير من السوريين فقدوا أبناءهم وآباءهم، لكنهم لم يجدوا لهم قبوراً يبكون عندها.

أنس الإبراهيم، 52 عاماً، الذي فقد ابنه خلال معارك السيطرة على مدينة حماة، حيث قُتل في محيط بلدة قمحانة خلال معارك التحرير الأخيرة في كانون الأول الماضي، ولم يتمكنوا من العثور على جثمانه.

يقول أنس الإبراهيم، الذي يقيم في مدينة حماة “سأذهب إلى المكان الذي أخبرني عنه أحد المقاتلين الذين كانوا برفقة ابني حين استُشهد، إذ لم يتمكن رفاقه آنذاك من سحب جثمانه بسبب شدة الاشتباكات.”

اليوم، في أول عيد بدون الأسد، قرر أنس أن يزور المكان الذي استشهد فيه ابنه. يقول إنه “لا قبر لابني نزوره، لكنني وأمه سنذهب إلى هناك، إلى الأرض التي ارتوت بدمه، وسنقرأ الفاتحة على روحه. فحتى لو لم نجد شاهداً لقبره، يكفينا أننا سنقف حيث وقف يوماً، ونقول له بفضلك وبفضل رفاقك، نعيش أول عيد بحرية.”

ليس مجرّد حلويات.. العيد هذا العام مختلف
في زاوية مطبخها الصغير، تنشغل أم مؤيد باكير، 53 عاماً، بتحضير كعك العيد، بينما تتراقص مشاعرها بين الفرح والحنين. تتوقف للحظة، تتأمل العجينة بين يديها، ثم تقول بابتسامة يملؤها الشوق “كدت أنسى كيف تُصنع حلوى العيد! فمنذ أن فرّ أولادي الثلاثة إلى لبنان هرباً من بطش الأسد، ومع نزوحنا إلى الشمال السوري، لم أجد أي معنى لصناعة الحلويات. فمن أجل من كنت سأحضرها؟”.

لكن هذا العيد مختلف تماماً. تضيف أم مؤيد بفرح غامر، “اجتمعت مع أولادي أخيراً، وعدنا إلى حمص، مدينتنا التي افتقدناها طويلاً. لهذا، قررت أن أستعيد طقوس العيد التي حُرمنا منها، وأولها كانت تحضيرات الحلويات.”

لم تتوقف أم مؤيد عند صنع الحلوى فقط، بل أرادت أن تعيد كل تفاصيل العيد كما كانت. أمسكت بأيدي أبنائها، وانطلقت معهم إلى السوق، كما كانت تفعل في السابق، لاختيار ملابس العيد.

تقول أم مؤيد “لطالما اعتاد أولادي أن أرافقهم في السوق لشراء ثياب العيد، وبعد سنوات من الفراق، كان لا بد أن أستعيد هذه العادة المبهجة، حتى لو أن الأسعار المرتفعة تحاول أن تسرق منا فرحتنا.”

ورغم أن أسعار الملابس شهدت انخفاضاً مع تحسّن سعر صرف الليرة السورية، إلا أن الغلاء لا يزال يحاصر السوريين، حيث بلغ متوسط سعر البنطال أو الكنزة 150 ألف ليرة، بينما يتراوح سعر الحذاء بين 100 و200 ألف ليرة، حسب النوعية.

تبتسم أم مؤيد بحزن خفيف، وتقول “حتى بعد انخفاض الأسعار، يبقى شراء الملابس أمراً صعباً، فكلفة لباس العيد لشخص واحد تصل إلى 500 ألف ليرة، بينما لا يزال راتب الموظف لا يتجاوز 400 ألف” لكنها تؤكد بحزم أنه “مع ذلك، هذا العيد هو الأجمل. استدنت مليوني ليرة من أخي، فقط لأرى الفرحة في عيون أبنائي، فهذا العيد ليس مجرد ثياب وحلوى، بل هو عودة الأحبة.”

السوريون يستعيدون تكبيرات العيد
مع سقوط الأسد، استعاد السوريون أحد أقدس طقوس العيد التي افتقدوها طويلاً، ألا وهو صلاة العيد، فمنذ سنوات، حُرم الكثير منهم من أدائها، سواء أولئك الذين لجؤوا إلى أوروبا ودول غربية أخرى، أو حتى الذين بقوا في سوريا تحت القصف والخوف من الاعتقال.

فراس حتّا، 35 عاماً، الذي لجأ إلى السويد قبل سبع سنوات، عاش كل عيد هناك بغصّة، إذ لم تكن هناك مساجد قريبة ليؤدي فيها الصلاة، ولا أصوات تكبيرات توقظ روح العيد داخله. لكنه، وبعد سقوط النظام، قرر العودة إلى إدلب قبل شهرين.

بابتسامة شوق، يتحدث فراس قائلا “كم كنتُ مشتاقاً لأجواء العيد في بلدي، حيث تبدأ فرحتنا بسماع تكبيرات العيد ونحن في طريقنا إلى المسجد، ثم لقاء الجيران والأصدقاء بعد الصلاة لتبادل التهاني والحديث عن الأيام التي جمعتنا.”

لكن حرمان السوريين من صلاة العيد لم يكن مقتصراً على المهجرين، بل طال حتى من بقوا داخل البلاد. فقد كان القصف العنيف للنظام يستهدف أي تجمع للمدنيين، بما في ذلك المساجد، مما أجبر الكثيرين على البقاء في بيوتهم، خوفاً من أن يكون العيد آخر أيامهم.

أما أولئك الذين كانوا ملاحقين من قبل مخابرات نظام الأسد، سواء لسوقهم إلى الخدمة العسكرية أو للاعتقال، فقد كانوا يتحاشون الذهاب إلى المساجد، حيث كان النظام ينشر عناصره هناك، ليس فقط لمنع أي تحرك شعبي، بل أيضاً لملاحقة واعتقال كل من تضعه السلطات الأمنية في خانة “المشبوهين”.

اليوم، ومع زوال الخوف، عاد السوريون ليملؤوا المساجد من جديد، ويصدحوا بتكبيرات العيد، التي غابت طويلاً عن سماء سوريا، لكنها لم تغب عن قلوبهم يوماً.

عيد حقيقي لأول مرة منذ 14 عاماً
ما يميّز عيد الفطر هذا العام أنه ليس مجرد مناسبة عابرة، بل لحظة استثنائية للكثير من العائلات السورية التي فرّقتها الحرب وجمعتها الأيام أخيراً. لمّة العيد عادت من جديد، بعد سنوات من الغياب، والبيوت التي كانت موحشة بصمتها، امتلأت بضحكات الأحباب وأصوات الأطفال.

وعد قميناسي، 45 عاماً، من سكان جرمانا بريف دمشق، تعيش هذا العيد فرحة لم تختبرها منذ أكثر من 10 سنوات، فبيتها الذي كان صامتاً في الأعياد السابقة، سيضجّ اليوم بأحاديث إخوتها، وبأصوات الأطفال، وبرائحة حلوى العيد التي أعدّتها بيدها، تماماً كما كانت تفعل أمها الراحلة.

بعيون يملؤها الشوق، تقول وعد إن “كل عيد كان يمرّ ناقصاً، كأن الفرح لا يكتمل إلا بوجود إخوتي. أخي في تركيا لم يستطع زيارة سوريا منذ خمس سنوات بسبب خوفه من الاعتقال. أختي أيضاً كانت غائبة لأن زوجها كان مطلوباً للخدمة العسكرية، حتى أخي في إدلب، لم أتمكن من زيارته بسبب إغلاق الطرقات وارتفاع كلفة التهريب وخطورتها. لكن أخيراً، ها نحن نجتمع تحت سقف واحد، كما كنا منذ سنوات.”

ورغم صعوبة الأوضاع الاقتصادية، لم تتخلَّ وعد عن واحدة من أجمل عادات العيد، العيدية، وبابتسامة دافئة تقول “سأرى أبناء إخوتي لأول مرة هذا العيد، بعدما وُلدوا في الغربة بعيداً عني، ولهذا، خصّصت لكل طفل عيدية صغيرة، لأنني أعرف كم تعني لهم تلك اللحظة، وكم ستضيء وجوههم بالفرح، حتى لو كان المبلغ بسيطاً.”

يؤكد السوريون اليوم أن عيد الفطر هذا العام هو العيد الأول الذي يبدو عيداً بحق منذ 14 عاماً، فهذا العيد بدأت فيه الضحكات تعود إلى البيوت، وتُمحى فيه سنوات من الفقدان، ولو ليوم واحد.

موقع تلفزيون سويا