رسالة مهمة من الصين وملف (درعا) نقطة الصدام بين سوريا والسعودية
Share
أغلب التقدير أن القمة الثلاثية التي عقدت في جدة الإثنين الماضي كانت أقرب لإجتماع (نكسة) سياسية وإقليمية يبحث عن ملاذات آمنة لتقليل الخسائر قدر الإمكان أو لإيجاد طريقة تعيد إنتاج المشهد وتنتهي ببعض المكاسب.
الحوار بين قادة الدول الثلاث في السعودية والإمارات والأردن كان فيما يبدو على مستوى الإستدراك حيث تم ترتيب المشاركة الإماراتية تحديدا في لقاء جدة بوقت متأخر بهدف تكريس الإجابة على سؤال مزدوج بمعنى: ماذا نفعل ..إستراتيجيا وتكتيكيا؟.
الإستعانة بمصر في ظل وجود (ضوء خافت) من التواصل بين الرئيس السوري بشار الأسد ورجل مصر القوي مرحليا الجنرال عبد الفتاح السيسي غير منتجة لجمع نقاط في سلة الدول الثلاث الخالية من العوائد بعد جملة الغزل الإيرانية – الأمريكية وقرب إفتتاح السفارة البريطانية في إيران.
مصر مشغولة تماما بمشكلاتها ووزير خارجيتها نبيل فهمي غرد خارج السرب السعودي عندما عارض علنا الضربة العسكرية لسوريا وعبثا حاول نظيره السعودي الأمير سعود الفيصل إدخال{مصر السيسي} على خط الإنتاج المضاد للرئيس بشار الأسد مستندا إلى المليارات التي قدمت في دعم الإنقلاب.
حسابات السيسي فيما يبدو تعاكست ولم ترغب بالمشاركة في حفل إستهداف القيادة السورية ليس فقط بهدف التباين مع خط الرئيس محمد مرسي ولكن أيضا بهدف البحث عن المزيد من المناطق الواضحة في المساحة الغامضة مع الإدارة الأمريكية.
على هذا الأساس أخفقت الرياض وفقا لمعلومات خاصة حصلت عليها القدس العربي في تأمين مقعد رابع في إجتماع جدة للاعب المصري فالقاهرة في عهد السيسي مثقلة بالهموم وتفضل التريث قبل التمحور بأي إتجاه وعلاقاتها المضطربة مع واشنطن ترسمت أصلا بتحريض سعودي أظهر من البداية سعيا محموما لإستثمار وتوظيف مصر الجديدة في ميزان الحسابات السعودية مع الأمريكيين بعد الإنفتاح مع الإيرانيين.
لكن القاهرة فاجأت الجميع بسعيها للبقاء في مسافة أبعد قليلا عن إجتماع (الإستدراك) والبحث في سؤال: الخطوة التالية ؟.
لذلك أخفت المؤسسة السعودية في جر المصريين للقاء جدة في الوقت الذي بدأت تتغير فيه اللغة التركية تجاه الموضوع السوري بضغط من المؤسسة العسكرية في أنقره.
وهي مؤسسة قالت بوضوح عندما قصفت مواقع لـ(داغش) للأمريكيين وللإيرانيين أنها مستعدة للتحول كما فعلت دولة قطر وهي تحقق إختراقا صلبا ومرنا على صعيد مسألة (سجناء اعزاز) والطيارين الأتراك المخطوفين في لبنان.
مقابل الحراك القطري المنتج والإلتفاتة التركية بحث إجتماع جدة الثلاثي عن إستراتيجيات دفاعية محضة حتى لا تتعاظم فوارق الحساب بعد التحولات الدراماتيكية التي دخلت فيها المنطقة مؤخرا حيث أظهرت السلطة الفلسطينية من جانبها {مرونة} كبيرة في التعاطي مع المستجدات فتبادلت الرسائل مع بشار الأسد وتفاهمت مع حزب إلله وساندت في قضية سجن أعزاز لوجتسيا.
بالنسبة لإجتماع جدة الأجواء مربكة للغاية فالرئيس بشار الأسد (رفع الجرعة) ضد السعودية وأطلق عبارات لا توحي برغبته في (التسامح) مجانا مع الأردن وسفيره في عمان الجنرال بهجت سليمان إمتدح السيسي وندد بالأخوان المسلمين على صفحته على فيس بوك , ودمشق إستقبلت موفدا فلسطينا رفيعا هو عضو مركزية حركة فتح عباس زكي.
كما إستقبلت سرا موفدا أردنيا رفيعا لم تتضح بعد حصيلة ما عاد به.
في الأثناء كان وزير الخارجية الصيني وانغ بي يبلغ وزراء وسفراء عرب تحرشوا به عن بعد بان الصين لا تقف إلى جانب روسيا في المسألة السورية بل تشارك في إتخاذ القرارات والسياسات ولها مصالح أساسية في إستقرار المنطقة.
معنى ذلك واضح ومباشر وهو ان الصين طرف ولاعب أساسي اليوم ..كذلك إيران طرف متفوق اليوم ولابد من التحدث معها كما يقترح رئيس مجلس الأعيان الأردني طاهر المصري وهو يقرأ مع القدس العربي تحولات المنطقة الأخيرة.
دمشق بدورها أرسلت لعمان تحديدا ثلاث رسائل (خشنة) دفعة واحدة دفعت الأردنيين للتوجه إلى {الشقيق الأكبر} في السعودية للتشاور.
الأولى من الرسائل كانت رفض إستقبال رئيس الوزراء الأسبق معروف البخيت في إطار مبادرة (شعبية) للتقارب.
الرسالة الثانية إستهدفت حكومة الرئيس عبدللة النسور التي بالغت في الإستعدادات العسكرية على الحدود بحجة الخوف من الكيماوي السوري على الشعب الأردني وعلى اللاجئين حيث طرح الدبلوماسي السوري المخصرم فيصل المقداد سؤالا إستنكاريا : لماذا لا يخشى الأخوة في الأردن من الكيماوي والنووي الإسرائيلي؟.
الرسالة الثالثة إلتقطها رادار معارضون أردنيون بارزون حاولوا (ترطيب) العلاقات بينهم أحمد عبيدات عندما قالت لهم شخصيات دمشقية بأن أجواء(إستعادة الثقة) مع الأردن الرسمي غير ممكنة قبل إستعادة وتحرير (درعا).
نفس الموقف تقريبا فضحه السفير السوري سليمان عندما أعلن بأن الأمير بندر بن سلطان يقيم على الحدود ويقود تنظيم القاعدة والإرهاب ضد سوريا.
معنى الرسائل السورية واضح وإستمع إليه عبيدات واخرون من شخصيات سورية أبلغت بأن دمشق لن تتفاعل إيجابيا مع اي رغبة أردنية بإستعادة العلاقات قبل عودة الأوضاع في درعا إلى سابق عهدها.
هنا حصريا يكمن مربط الفرس في أزمة المعسكر الثلاثي الذي إلتقى بجدة فدرعا هي نقطة عبور المساعدات السعودية العسكرية والأمنية للمعارضة السورية المسلحة وهي أيضا نقطة جذب اللاجئين السوريين في الأرض الأردنية الذين تمول إقامة جزء كبير منهم دولة الإمارات.
ودرعا مركز النشاط الإستخباري المضاد لسوريا والحدود مع الأردن هي الأنشط في سياق التعامل مع اللاجئين والمعارضة المسلحة فيما كانت كوادر أردنية قد تدربت في تركيا على قطاعات محددة في إدارة درعا ضمن سيناريو (سهل حوران) من بينها مصادر المياه والبنية الجيوسياسية.
قبل ذلك تبنت السفارة الأمريكية سابقا بدعم من الأميرين الشقيقين بندر وسلمان بن سلطان قصة توحيد فصائل درعا وتأسيس جيش علماني يقاتل بشار الأسد مع تشكيل (صحوات) تضم مخاتير درعا وقادة عشائرها.
لذلك يمكن القول بان محطة درعا هي عنصر التجاذب الأهم جيوسياسيا اليوم بين الرئيس بشار الأسد وخصومه في السعودية والإمارات على أساس أن الأردن دبلوماسيا أخفق وهو يحاول ممارسة لعبة (التحدث مع كل الأطراف).
درعا التي وضع السعوديون ثقلهم الإستخباري فيها مؤخرا وانفقوا على مقاتليها الملايين تشكل نقطة حيوية جدا بالنسبة لإستراتيجية الخلاص السعودية فعبرها يمكن (تقليل الخسائر) الإستراتيجية وتحسين موقع التفاوض مما يتطللب تعزيزها والتمسك بها.
لكنها سياسيا بمثابة اللعنة السياسية التي تربك جميع الأطراف لإن عمان قرأت رسالة بشار الأسد جيدا وهو يقول بعدة لغات: لن نصالح ولن نتفاوض قبل عودة درعا لوضعها الطبيعي ما قبل الأحداث بمعنى إنسحاب الثقل السعودي منها.
هنا حصريا علق الأردن وعلى الأرجح ذهب لجدة لبحث الأمر في سياق إجتماع تقليل الخسائر.