قطر قد تتبع سياسة خارجية أقل اندفاعا بعد الانتكاسات التي منيت بها في سوريا ومصر
وتمويل النفوذ الاسلامي لكن بصورة أكثر هدوءا.
قدمت الدولة الصغيرة جانبا كبيرا من الدعم للثورات العربية وأثارت مساعدتها لحكم الاخوان المسلمين في مصر قلق الأسر الحاكمة في الدول الخليجية المجاورة التي تعتبر الجماعة تهديدا لها.
وفي اطار سياسة قديمة تقوم على الترويج للذات في المحافل الدولية توسطت قطر في وقت سابق في نزاعات تمتد من الصومال إلى لبنان وأصبحت طفل الأسر الخليجية الحاكمة المشاغب باستخدامها قناة الجزيرة التلفزيونية لمهاجمة الحكم الاستبدادي خارج حدودها والترويج لوجهات نظر الاسلاميين.
لكن الهزائم التي لحقت بمقاتلي المعارضة في سوريا وعزل رئيس مصر الاسلامي محمد مرسي في الثالث من يوليو تموز والفشل في استضافة محادثات سلام افغانية مزمعة في يونيو حزيران بدد أحلام الدوحة في أن تصبح وسيطا دوليا ذا ثقل.
يقول منتقدون إن الدولة الغنية المصدرة للغاز أخذت جزاءها ويجب عليها الآن أن تتوخى المزيد من الحذر في الخارج وأن تترك دفة القيادة للسعودية القوة الاقليمية في المنطقة وتركز على أولويات داخلية مثل مشروعات تشييد قبل أن تستضيف كأس العالم لكرة القدم عام 2022.
ومنح تنصيب الأمير الشاب تميم بن حمد آل ثاني أميرا للبلاد الشهر الماضي بعد تنازل والده عن الحكم فرصة لقطر كي تبدأ بداية جديدة.
مع ذلك فمن يعرفون قطر لا يتوقعون أي تحولات جذرية.
يقول غانم نسيبة الخبير في سياسات دول الخليج العربية في كورنر ستون جلوبال أسوسييتس وهي مؤسسة تقدم المشورة في إدارة المخاطر ومقرها المملكة المتحدة “قد يفضلون تغيير السياسة لكنهم في موقف لا يسمح لهم بذلك على الأقل على الفور.”
وفي عهد والد الشيخ تمميم الشيخ حمد بن خليفة أقرضت قطر مصر أكثر من سبعة مليارات دولار خلال حكم مرسي الذي استمر عاما وانتهى حينما تحفظ عليه الجيش في مكان غير معلوم.
يقول نسيبة إن الدوحة راهنت على الاخوان المسلمين وبالنسبة للدولة القطرية “من الصعب جدا التراجع الآن حتى لو نصحهم بعض مستشاريهم بذلك.”
يضيف نسيبة “التخلي عن الاخوان المسلمين سيدمر شعبيتهم داخل المعسكر الموالي للاخوان في العالم العربي. دخلوا مقامرة ويأملون أن تؤتي ثمارها يوما ما في المستقبل.”
وذكر توربيورن سولتفيت كبير المحللين في مابلكروفت وهي شركة لاستشارات المخاطر السياسية مقرها لندن إن قطر “ستقلص على الأرجح من سياستها الخارجية المغامرة لكنني لا أتوقع أن تتخلى عنها تماما.”
واستطرد “سيظل من المهم بالنسبة لهم الاحتفاظ بسياسة مستقلة لتمييز أنفسهم عن المملكة العربية السعودية.”
وردا على سؤال عن مسار الدبلوماسية في المستقبل قال مسؤول قطري إنه لن يكون هناك تغيير يذكر مضيفا أن البلاد تحتاج للمضي في سياساتها الداخلية والخارجية بالتوازي لمواصلة خدمة مصالحها الوطنية.
كما أشار إلى أن قطر ستواصل تقديم المساعدات العسكرية للمعارضين الذين يقاتلون الرئيس السوري بشار الأسد. وأضاف أنه مع مقتل أكثر من 100 ألف ونزوح نحو مليوني شخص من منازلهم تعتقد قطر أن الشعب السوري في حاجة ماسة للمساندة للدفاع عن نفسه من الهجمات “الشرسة والوحشية” التي يشنها النظام.
وأكد على ضرورة التنسيق مع المجتمع الدولي فيما يخص أي شحنات أسلحة للشعب السوري.
وأردف أن قطر تركز على مساعدة كل شعوب المنطقة ولا تحابي طرفا على حساب طرف آخر.
وتابع أنه مثلما واصلت الولايات المتحدة مساندة مصر مع وجود الاخوان المسلمين في الحكم فعلت قطر ذلك من أجل الشعب المصري كي يحدد من سيقود بلاده.
وأثار تولي الشيخ تميم الحكم في يونيو حزيران تكهنات بانه قد يتبنى نهجا أقل محاباة للاسلاميين مع ابتعاد مهندس السياسة الخارجية القطرية الشيخ حمد بن جاسم الذي كان يتمتع بالحيوية والنفوذ عن منصب وزير الخارجية.
وفقد الشيخ حمد منصبي رئيس الوزراء ووزير الخارجية في تغيير وزاري عقب تولي تميم حكم البلاد واستبدل برئيس وزراء أقل صيتا عمل سابقا نائبا لوزير الداخلية.
واكتسبت فكرة أن قطر ستحد من تحالفها مع الاسلاميين زخما أكبر بعد الكلمة التي ألقاها الشيخ تميم عند تنصيبه يوم 26 يونيو حزيران. وبالرغم من قوله إن بلاده لن تتلقى توجيهات من أي جهة فقد ركزت كلمته التي استمرت 15 دقيقة على القضايا الداخلية ولم يرد فيها أي ذكر للصراع السوري.
لكن يوم 23 يوليو تموز أصدرت قطر بيانا عبرت فيه عن قلقها من استمرار التحفظ على مرسي لتصبح الدولة الخليجية العربية الوحيدة التي تعبر صراحة عن التعاطف مع الرئيس المعزول.
وبالنسبة لمتابعي تصريحات الشيخ حمد بن جاسم عندما كان وزيرا للخارجية يبدو هذا الموقف تغريدا مألوفا خارج السرب.
في علامة أخرى على أن قطر لم تفقد قدرتها على ابرام الصفقات الاقليمية من المتوقع أن يصل رئيس الائتلاف الوطني السوري إلى الدوحة قريبا لتنسيق امدادات المساعدات.
يقول نسيبة إن قطر ستواصل في الوقت الراهن حشد المساندة الشعبية في أنحاء العالم العربي لكنها ستفعل هذا بعيدا عن الأضواء “ستكون الطريقة أكثر هدوءا.”
ويرى محللون أن هذا قد يعني انفاقا أقل على الدعم العسكري أو القروض الطارئة أو المنح الكبيرة للدول المفضلة وانفاقا أكبر على المساعدات الانمائية الدولية طويلة الأجل.
وقياس الرأي العام في مجتمع محافظ يتكتم خصوصياته ليس بالأمر الهين لكن هناك مؤشرات على أن سياسة خارجية أقل نشاطا لن تصيب القطريين بخيبة الأمل.
وقال مصدر قريب من الأسرة الحاكمة إن كثيرين من المواطنين القطريين يتوقعون أن تلعب بلادهم في نهاية المطاف دورا أكثر تريثا في السياسة الخارجية. وأضاف أن المواطن العادي يريد حياة هادئة فقطر بلد صغير ولا ينبغي أن تقحم نفسها في كل هذا النشاط الخارجي.
ولدى الدوحة الكثير من العمل في الداخل. فهي تنوي انفاق 150 مليار دولار قبل كأس العالم وتشيد مطارا وميناء جديدين وتشق المزيد من الطرق فضلا عن التوسع العمراني.
وإذ لم تنته هذه المشروعات في الموعد المحدد فقد يعرضها هذا لموقف محرج على الساحة الدولية.