المشكلات التربوية المعاصرة وأسبابها
متاعب الآباء مع جيل الأحداث الحالي، مردها السنوات المبكرة من طفولتهم، لأن الصغار سريعو التأثر بتوجيهات آبائهم وتعليماتهم، فالأخطاء التي ترتكب في السنوات الأولى تكلف ثمناً باهظاً، ويمر الطفل خلال السنوات الثلاث أو الخمس الأولى من عمره بمراحل دقيقة، ينمو خلالها ويتعلم المواقف والمفاهيم الصحيحة.
تلك المفاهيم التي يكون لها فيما بعد صفة الثبات والدوام، وإذا فاتت فرصة تلك السنوات، فاتت معها فرصة القبول إلى غير رجعة، فإذا شئنا أن يكون أولادنا لطفاء شاكرين مرضيين، فلنحاول غرس الفضائل فيهم، ولا نتمناها فقط، وإذا رغبنا بأن نرى الاستقامة والصدق واللاأنانية في ذريتنا، فلنجعل هذه الخصائص والسجايا غرضنا الواعي، مقروناً بتوجيهنا المبكر لهم.
وإذا كان من الأهمية بمكان أن نربي أحداثاً ونجعلهم مواطنين يتميزون بتحمل المسؤولية واحترام الأنظمة، فحري بنا أن نهيئ لهم الجو المناسب المتمتع بهذه الميزات.
المسألة هنا واضحة، فالوراثة لا تزود الأولاد بالمواقف والمفاهيم الصحيحة، فالطفل يتعلم ما تُعلمه إياه، ولا نقدر أن نتوقع ظهور المواقف والتصرفات المرغوب بها في حياتهم، إن كنا قد أهملنا القيام بواجبنا المنزلي المبكر، وثمة إشارة لا بد منها، فقد ثبت أن الآباء الذين كانوا غائبين عن أولادهم في هذه السن، قد أخفقوا في تحقيق هذه المهمة الصعبة.
إن الطبيعة لا تبالي كثيراً في انتقاء الآباء والأمهات، فالمواصفات ليست عالية جداً، وقد يكون للأقدار دور في هذا الموضوع، وقد نجد الكثير من الآباء لا يلمون بحقيقة واحدة عما يحتاجه الأولاد حين ينجبون، فقد يكونون على جهل تام بمبادئ التغذية والتربية، أو بمراحل نمو الأطفال وأطوارها، ومتطلبات كل مرحلة، وعلى الرغم من أن الأخطاء التي يرتكبونها غير متعمدة، إلا أنه مع ذلك تبقى العواقب وخيمة.
ولعل أعظم نقص شاع خلال ربع القرن الأخير، كان منوطاً باعتقاد الآباء الجُدد بخاصة “بأن المحبة تكفي “لتنشئة الأولاد، ويظهر أنهم اعتقدوا أن الأبوة الناجحة تقوم على التزامين رئيسيين:
1 – تنشئة الطفل في جو من المحبة والعاطفة الصادقة.
2 – سدّ حاجاته المادية والجسدية.
وتوقع الأهل أن تفيض من نبع الحب هذا كل فضيلة صالحة وقيمة، غير أن الزمن أثبت أن الأمر كان مجرد تخيلات، فمع لزوم المحبة للحياة البشرية، فإن المسؤولية الأبوية تتعدى هذا النطاق، قد يحب الأب أو الأم ابنه محبة لا تقاس، وذلك بعد أن يغرس فيه مفاهيم ضارة، وإذا خلت المحبة من التوجيه والإرشاد فهي أعجز من أن تُخرج إلى العالم أولاداً يتميزون بالترويض الذاتي وضبط النفس واحترام الآخرين، صحيح أن العاطفة والدفء هما سرّ السلامة العقلية والجسمية والنفسية، لكنهما لا ينفيان الحاجة إلى التوجيه والتدريب الدقيقين.
الأولاد المهذبون المسؤولون هم حصيلة عائلات استطاعت وبشكل لائق أن توفق بين المحبة والتأديب، هذان المقومان يجب استعمالهما بمقادير كافية، فإن استُغني عن أحدهما كانت النتيجة في الغالب مأساوية.
وفي الخمسينيات من القرن الماضي حصل تفاوت مؤسف بينهما، عندما سيطرت نظرية وحيدة هي “الديمقراطية المتراخية”، فقد قللت هذه الفلسفة من دور الوالدين في ضبط أولادهما. وفي بعض الحالات جعلت الأب والأم يشعران وكأن جميع أشكال العقاب مضرة وغير عادلة، ونتيجة لذلك أطلق على العقد الذي يتوسط القرن العشرين اسم “العقد الأكثر رخاوة في تاريخنا”.
فهل هذا مجرد صدفة أن الجيل الذي ربي في تلك الحقبة شب فتحدى كل أشكال السلطة التي واجهته؟، لذا ينبغي أن لا نفاجأ بكون أولادنا يعانون من عوائق، فهناك عوامل أخرى أسهمت في عدم الاستقرار في أوساط الشباب، ولكن العلة الرئيسية تعود إلى حالة الفوضى التي سادت جو الملايين من العائلات.