إصلاحات جذرية في مصر
بعد سـنوات عديدة من سياسة الدعم الاستهلاكي ، وتفاقم عجز الموازنة ، وتراكم المديونية ، جاء الوقت لدفع الثمن.
رغيف الخبز كان وما زال يباع بخمسة قروش مصرية أي ما يعادل 5ر2 فلس ، والبنزين كان يباع بربع الكلفة الحالية ، أو ُعشر الكلفة عندما كانت أسعار البترول العالمية قبل سنتين في الأوج ، كل هذا وغيره ما كان يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية. ومن غير المعقول أن يستمر شراء الوقت وتأجيل مواجهة الواقع المر إلى ما شاء الله.
جاء الوقت لكي تتحرك الحكومة المصرية وتواجه الحقيقة قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة ، وقررت أولاً أن تطبق برنامجاً للإصلاح الاقتصادي بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي ، الذي وافق على سد الفجوة بمبلغ 12 مليار دولار إذا سارت الامور الاقتصادية بالاتجاه الصحيح.
بموجب البرنامج تم تعويم الجنية المصري ليجد قيمته الحقيقية على ضوء عوامل العرض والطلب في السوق الحرة ، بدلاً من تحديد سعر صرف غير واقعي ، أدى إلى استنزاف احتياطي البنك المركزي من العملات الاجنبية. وتم رفع سعر البنزين. ولا بد أن هناك إجراءات أخرى سيتم الإعلان عنها تباعاً.
النتائج المتوقعة لهذه الإجراءات ، ارتفاع معدل التضخم وارتفاع أسعار جميع المواد دون أن ترتفع الدخول فوراً. ومن المتوقع في مثل هذه الحالات أن تنشب اضطرابات اجتماعية ، وتنطلق مظاهرات شعبية صاخبة وأعمال عنف ، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث لأن الشعب المصري تفهم الوضع وعرف أن الحالة صعبة ، وأن آخر الدواء الكي.
الاقتصاد المصري يمر بوضع صعب لأنه محاصر من الخارج ومهدد من الداخل ، فالسياحة التي تشكل 20% من الناتج المحلي الإجمالي معطلة ، ودخل قناة السويس يتراجع مع تراجع حركة الملاحة في البحر الاحمر بسبب الوضع في باب المندب.
تعويم الجنية المصري وهبوطه إلى المستوى الحقيقي يعني أن يستأنف العاملون المصريون في الخارج تحويل مكتسباتهم إلى بلادهم ، وأن تزداد جاذبية السياحة إلى مصر ، وأن تنشط الصادرات الوطنية التي ستبدو أرخص في نظر العالم. ويتم الحد من عجز الموازنة وبالتالي عودة احتياطي البنك المركزي للنمو ، والانتقال إلى حالة جديدة من الاستقرار ولكن عند مستوى جديد.
مصر محظوظة بحكومة تأخذ القرارات الصعبة ، وتعترف بأنها لا تملك ترف الانتظار والتأجيل. نتمنى لها النجاح ، والخروج من الأزمة الاقتصادية مرفوعة الرأس.