حلب غروزني والقيرغيز!
في منتصف سبعينيات القرن الماضي سيطرت جماعة صبري البنّا الارهابية على «فندق الأردن» الأكبر والأجمل في عمان، واحتجزت زبائنه ورواده: من المطربة الصغيرة نجاة، الى قراء الصحف وشاربي قهوة الصباح.
وقتها كانت السفارة الاميركية بعيدة ثلاثين متراً عن الفندق، والبريطانية في وسط الدوار الثالث، ومقابلها وزارة الاعلام، وبعيداً مئتي متر عنها قصر زهران بيت الراحلة زين الشرف.
ماذا حدث بعد احتلال الفندق، واحتجاز المئات فيه؟!.
– لم تخرج طائرات F5 من قواعدها، ولا توجهت مدافع الجيش على الهدف، ولم تصدر الحكومة بياناً عن دول عربية مجاورة ترعى الارهاب وانما: هبط مجموعة من جنود الصاعقة على سطح الفندق واصطادوا المجموعة الارهابية واحداً واحداً دون ايذاء الفندق او نزلائه او زواره!!.
نتذكر الحادث ونحن نسمع مبررات تدمير كل مستشفيات حلب الشرقية، و80 بالمئة من دورها، ومدارسها وجوامعها وأبنيتها التاريخية بالطيران السوري والطيران الروسي، ومدافع ميليشيات ايران اللبنانية والافغانية والعراقية.
المبعوث الدولي دي مستورا يقول: هناك 800 مقاتل من جبهة النصرة التي غيّرت اسمها, موجودون في حلب الشرقية, وهو يقترح خروجهم من اسلحتهم الى ادلب, ويضمن وقف القصف, واستعداده للانضمام اليهم شخصياً لدى مغادرتهم!! وقد وافقت موسكو على الاقتراح, وكذلك الحكومة السورية!! لكن الموضوع ليس موضوع المغادرة لمجموعات ارهابية صغيرة.. فهناك ربع مليون سوري في حلب الشرقية, والتأزم فيها يؤزم كل الملايين من سوريي المدينة التاريخية. فهل يصدق احد ان مبرر تدمير مدينة, وتشريد سكانها الاربعة ملايين هو وجود 800 ارهابي محاصر, وجائع ومصاب؟!
كان يمكن تحرير فندق الاردن في وسط عمان, باستعمال اسلحة الجيش العربي الفتاكة.. فندمر كل جبل عمان, «لنستأصل» ارهاب عدد لم يكن الامن يعرف عددهم.. فهل هذا منطق من يحرص على امن شعبه واستقراره وحياة اطفاله؟!
ما يجري في حلب, وما جرى في غوطة دمشق له نموذج واحد هو ما جرى في غروزني عاصمة شيشينيا, فقد تم تسوية كل المدينة بالارض من اجل «استئصال» المجموعات الانفصالية.. (لم تكن وقتها ارهابية).
وله نموذج أقدم قام فيه ستالين اثناء الحرب الثانية بترحيل كل سكان جمهورية القيرغيز الى ما وراء الاورال.. حتى لا ينضموا الى جيوش هتلر الغازية، وهذا كان مجرد ظن وحدس، فالقيرغيز كانوا رعاة في بلادهم الجبلية القاسية.
عام 1954 تمردت كتيبة من الجيش السوري في حلب ضد رئيس الجمهورية اديب الشيشكلي، ومع ان الثقل العسكري السوري كان في الجبهة الموالية للشيشكلي، إلا ان الرجل اختار الرحيل الى لبنان، ثم الى اميركا الجنوبية حيث قام درزي من الجبل باطلاق النار عليه لانه قمع تحرك سلطان باشا الذي لم يقبل تدمير الجيش لقرى الجبل الصغيرة.
كل ما يدور في سوريا وعالمنا العربي في هذه الحروب الوسخة غير مقبول انسانيا، وقوميا، ووطنيا، ومن المؤسف ان هناك مثقفين يدافعون عن المذابح، وكأن آلاف الاطفال القتلى مجرد ذباب، او ان جثههم ليست إلا فيلما تلفزيونيا يمر امامنا في بيوتنا المكيّفة.