الذوق العام
الذوق العام ليس قانونا ولا نظاما ولا تشريعا وهو ليس قالبا يوزع على الناس ليتكيفوا معه وهو ليس ديانة بحد ذاتها، هو كل ما سبق مجتمعا.
هل لنا أن ندق ناقوس الخطر لأن الذوق العام ينسحب خجلا أمام قلته ؟
هذا التراشق الذي يهدر صباح مساء على وسائط التواصل الإجتماعي وفي الشارع والعمل والمدرسة والجامعة ليس حوارا طالما أنه يفتقر الى الذوق العام.
وحتى يدرك القارئ ما المقصود مما أريد قوله، هو لا يتعلق فقط بآداب السلوك فعلا وقولا، بل بالأخلاق في السلوك وفي إنتقاء الكلمات وقبل هذا وذاك في ترك مساحة يمكن العودة اليها إن سدت طرق الحوار كلها وإن تشنجت أساليب الحوار كلها، مساحة للعودة مرة أخرى.
الذوق هو «احترام النفس واحترام الآخرين وحسن التعامل معهم»، و«الآداب الإجتماعية والآداب السلوكية واللباقة وفن التصرف على قواعد إنسانية لا تختلف مع إختلاف الثقافات والأعراق والأديان.
عندما ينزل سائق من سيارته ليتهجم على آخر لمجرد أنه لم يفسح له الطريق هذا ليس ذوقا، وعندما يقذف ثالث بسيجارته أو مخلفات طعامه وشرابه من نافذة سيارته، هذا أيضا ليس ذوقا.
هذا كله قد تلجمه قوانين البيئة وقد يزرع سلوكا في أذهان الأطفال والشبان، لكن عندما ينساق سيل الشتائم تستهدف شخصا بعينه لفكرة طرحها وينغمس الناس فيه جلدا وإقصاء وتشويها، هذا ما لا يمكن أن تلجمه القوانين لأنه غاية إنسانية طبيعية ومخالفتها ليست من سمات البشر هو الحدية في الحديث والتطرف في الحوار والرفض قبل الفهم والمواقف المسبقة مثل تلك التي تتمترس خلف تابوهات جامدة مثل صخرة، حتى الصخر يمكن أن يفتته الماء، أفلا يفتت الذوق العام جفاف البشر ؟
هل نحن بحاجة الى بناء ذوق عام يتفق عليه الجميع كما لا يختلفون على أن الشمس تشرق من الشرق وتغرب من الغرب ؟
في معترك الحوارات حول قضايا تثور بين فترة وأخرى ترى انهيارا للذوق العام، تسمع ألفاظا لم نعتد سماعها وتقرأ كلمات لم تستسغ قراءتها.. يا هؤلاء، على هونك ففي بطون اللغة كلمات جميلة تعبر عنك وعني بذوق، وتلقى قبولا حتى لو كان فيها قسوة !.
قبل بناء القوانين، نحتاج الى إعادة بناء الذوق العام الذي أقبله أنا وتقبله أنت ويقبل به الجميع، وقبل وسم من يخالف القانون بأنه شاذ، سيجد من يخالف الذوق العام بأنه خارج المجتمع.