سؤال الملك
هو سؤال لا زال معلقا، بيد أن الإجابة ستحتاج الى تحرك سريع، ثقافي وعلمي قبل أن يكون عسكريا.
في خطابه الأخير أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة سأل جلالة الملك عبدالله الثاني العالم، «ما طبيعة الإرث الذي سنتركه وراءنا؟ هل سنورث أطفالنا عالما يسيطر عليه الخوف والانقسام، فيصبحون مسكونين بهاجس الأمن إن ركبوا طائرة أو حضروا حفلا أو مباراة كرة قدم أو تجولوا في سوق تجاري؟
وإن كان جلالته يؤشر بوضوح على طيور الظلام من التنظيمات الإرهابية المتمرسة خلف الدين داعش وغيرها، فإنه حتما كان يقصد كذلك العنف والتطرف الأيدولوجي بكل أشكاله.
لنبدأ أولا ب» كسر تابو الحديث عن تغيير المناهج» وهي التابوهات التي حدت من الإبداع والتفكير لكنها في ذات الوقت غيبت الحقائق المهمة التي ألهمت المسلمين حول العالم كيف يكون التسامح صناعة وإحترام الثقافات والأديان ثقافة.
نعم لا يزال العالم يغفل أهمية تبني منهج شمولي لمواجهة الإرهاب والتطرف ولا تزال العملية في سياقها العسكري والأمني ولا حديث حول الجهود الأيدولوجية. وكلما كان الإيقاع بطيئا كلما أحرزت طيور الظلام إنتصارات زائفة هنا وهناك.
لم تعد الحرب اليوم في داخل الإسلام أو هي، حرب بين جبهتين، واحدة مستنيرة تريد للاسلام أن يعاود دوره الحضاري في التنوير والابداع والتجديد وأخرى تغرق في الموروث بقضه وقضيضه تسقطه على الواقع كيفما تشاء وتسمم عقول مئات الشباب بمثل هذه الافكار باعتبارها هي ما سيعيد للأمة مجدها ودورها في الحضارة، بل إنها خرجت من قمقمها العربي والإسلامي الى فضاء العولمة الرحب، في الفروع العالمية لهذا التنظيم اليائس.
لم يحمل هذا الفكر المنحرف تهديدا لإسرائيل، بل على العكس فبسببه تراجع ترتيب القضية الفلسطينية من قضية العرب والمسلمين الأولى، الى قضية هامشية وقد ظل السؤال المعلق في الهواء والذي يتجاوز الاف المتعاطفين مع هذا التنظيم الإجابة عنه.. لماذا لم تطلق داعش طلقة واحدة تجاه إسرائيل ولا حتى كلمة؟..
العالم يجب أن ينغمس في هذه الحرب ليس في مواجهة التطرف فحسب بل في دعم كل الحلول التي تعيد الحقوق لأصحابها في فلسطين أولا التي لا يمكن إستبعاد ما يجري فيها كمبرر ليتغذى منه هذا التطرف في إستقطاب التعاطف وتبرير الجرائم وقد لاحظنا أن ارتفاع وتيرة التجنيد في هذا التنظيم يزداد كلما زادت تجاوزات إسرائيل في القدس وعموم البلاد الفلسطينية، إنها العباءة التي تختبئ تحتها ثقافة التطرف.
العنف موجود، وهو ليس سلعة دخيلة أو مستوردة ولا يمكن إختصاره بتوقيت شتوي أو صيفي ولا بغزو ثقافي وفكري، هو موجود في البيت والمدرسة والجامعة والعمل والشارع، وفي الثقافة والادب والرسم والموسيقى والاغنية والشعر والمسرح لكن الأخطر هو وجوده بصورة واضحة في المناهج المدرسية التي وضعها أو شارك في وضعها في فترة ما أصحاب النزعات الدينية على امتداد العالم العربي والإسلامي الذين بالغوا في إبراز صور التشدد على حساب التسامح.
هل هناك خطة ثقافية وسياسية لتفكيك « ثقافة التطرف».. الحل الأمني ضروري لكنه لا يسد الفراغ، إذ لا يستطيع الأمن وبرغم الانتشارالواسع شق صدور الناس أو توقع الأحداث المفاجئة.