ديمقراطية «فريك»..
في وقفة العيد، بينما تنشغل النساء بتعزيل البيت ، تلييف الشبابيك ، كنس الممرات ،وشطف المداخل،يجافي النوم عيون الأطفال وهم يتخيلون شكل الملابس وحاصل جمع العيديات المتوقعة، و ينسدح الأب بكامل راحته مستعرضاَ قوائم الأسماء وإرسال الورود الاليكترونية وكلمات التهاني إلى المعارف والزملاء؛ كل فرد من العائلة يعتقد أن عمله الأهم والأكثر تعباً ودقة، وعلى الآخر أن يوفر له الجو الملائم لإنجازه في أسرع وقت وعلى أكمل وجه ..المهم في منتصف «الوقفة» ومع اختلاط رائحة المعمول مع معطّر الأرضيات ينام الجميع باكراً استعداداً ليوم قادم طويل..
«وقفة» الانتخابات لا تختلف كثيراً عن وقفة العيد، المؤازرون ينشغلون بتعزيل أسماء الناخبين وفصل الأموات وأصحاب المواقف المريبة عن أصحاب القلوب الحية والمواقف الواضحة ، ثم ينتقلون إلى تلييف صورة المرشح بسبب تصريحات أو «بوستات فيسبوكية» سابقة اتخذها على حين غرة ودون التفكير بيوم الفصل ،كما تنشغل الدائرة الضيقة من «النازل» بكنس المعيقات ، وشطف الصعوبات المؤدية إلى صندوق مرشحهم…بينما يجافي النوم عيون المرشحين وهم يتخيّلون شكل مراكز الاقتراع ودفتر التصويت وحاصل جمع الأصوات المتوقعة ، في نفس الوقت تنسدح الحكومة وهي بكامل راحتها مستعرضة كلمات التطمينات والتفكير برفع نسب التصويت لتعطي صورة وردية عن نجاح العملية الانتخابية أمام الزملاء من القوى الداخلية و»معارف» المجتمع الدولي… طبعاً كل ممن سبق يعتقد أن عمله الأهم والأكثر تعباً ودقة وعلى الآخر أن يوفر له الجو الملائم لإنجازه في أسرع وقت وعلى أكمل وجه ..المهم وفي منتصف وقفة «الاقتراع» ومع اختلاط رائحة المناسف بحبر المطابع … ينام الجميع باكراً استعداداً ليوم انتخابي طويل..
بالمناسبة ، ثمة مصطلحات لا تستخدم سوى في الحصيدة أو في عصر الزيتون ويوم الانتخابات..مثلاً يسأل أحد المتابعين لعملية الاقتراع قريب المرشح «كيف الرمي خالي « ؟؟ فيرد الآخر «إن شاء الله خير» وكلمة «الرمي» هنا تستخدم في حالة «رمي الشوالات» من الحصّادة و كثافة نزول الأصوات لصالح المرشح في الصندوق..والرد المبهم «إن شاء الله خير» يستخدم عن قصد كي لا يعطي جواباً شافياً يحسب عليه فيما بعد..إما خوفاً من «العين والحسد» أو لعدم وضوح الرؤية لما يحدث أو لضعف الإقبال مع عدم الرغبة بالإفصاح عن الخذلان …
الأبعد قليلاً بدرجة القرابة من المرشح لا يتوانى عن إعطاء رأيه صراحة فيقول مثلا:ً «الرمي خفيف»..أو «الرمي حامي» أو بعدهم بأول «طرحة» وهذه مصطلحات زراعية بحتة لا تستخدم الا يوم يعطي الزرع أكله ، وقد يعزي بعض خبراء التصويت قلة الإقبال إلى : «تا يطير الندى» أو الناس بتطلع ع «البراد» وهذان المصطلحان أيضا يرتبطان بعملية الحصاد وإن كان نطقهما واستخدامهما يأتي من منطقة اللاوعي…
في آخر النهار إذا ما تجدد السؤال عن نسبة الإقبال قد يكون الجواب» عفارية « او « تبعير»..والعفارية آخر ما يبقى من حبوب مخلوطة في التراب في نهاية الحصاد يجمعها من لا يملك أرضاَ او يمتهن الزراعة بالأصل…اما «التبعير» فهو جمع حب الزيتون الصغير الساقط تحت الشجر بعد ان تركه مالكوه للعائلات الميسورة وهذه المصطلحات أيضاَ من بيئتنا الفلاحية التي تسكننا في قياس كل شيء حتى السياسة..
كما يستخدم بعض المهتمين بالشأن الانتخابي لفظ «صبّوا» للدلالة على كثافة التصويت ،»العشيرة الفلانية» صبّوا مع فلان أو صبوا ضد فلان..والصبّ عادة ما يستخدّم للسائل الذي لا يمكن عدّه بالحبّة أو بالقطعة وإنما يستدلّ به كإشارة على قوة و كثافة التصويت دفعة واحدة ..
إذا كما تلاحظون فإن الزراعة والحصاد يدخلان معنا في أدق أدق تفاصيل حياتنا السياسية وفي ديمقراطيتنا «الفريك»..
لكن يا خوف قلبي بعد كل هذا التعب: «نرجع نحصد عقير»!!