لماذا تفشل المشاريع الكبرى؟
لدينا في الأردن نوع من الهوس بالمشاريع الكبرى ، ليس استجابة لعوامل اقتصادية ومالية ، بل بناء على اعتبارات إعلامية ، على أمل ان يكون المشروع الكبير أحد عناوين النجاح التي نباهي بها. وبذلك حلت المشاريع الكبرى محل ما كان يسمى بالصروح الحضارية.
للأسف لم ينجح لنا حتى الآن مشروع كبير واحد ، وعلى قائمة الانتظار مشاريع كبرى أخرى ليس فيها كبير سوى تكاليفها والمديونية التي ستجلبها ، وعلى رأسها مشاريع القطار الخفيف والباص سريع التردد وسكك الحديد ، وأخيراً وليس آخراً مشروع المفاعلات الذرية لتوليد الكهرباء المرشح لأن يكون كارثة مالية واقتصادية وبيئية.
الأردن بلد صغير ، سوقه ذات إمكانيات محدودة ، مما يجعله مكانأً مناسباً لمشاريع صغيرة ومتوسطة ذات مردود سريع ، تتحلى بقدر من المرونة ، وتغطي الطلب المحلي وتوفر قدراً للتصدير شريطة أن يكون المشروع ذا كفاءة وقدرة على المنافسة دون دعم ، سواء في السوق المحلية أو في اسواق التصدير ، وقد اتضح عملياً ان تنافسية الأردن قوية في قطاع الصناعات الكيماوية ، كالأدوية والأسمدة وذلك لتوفر المادة الخام محلياً وبالتالي ارتفاع القيمة المضافة ، أما تميز الأردن الطبيعي فهو قطاع الخدمات.
جاء الوقت للاستفادة من التجارب المرة ، والتوقف عن سياسة الهروب إلى الأمام ، فإذا فشل لنا مشروع كبير بادرنا بطرح مشروع كبير آخر وكأن لدينا فوائض مالية طائلة تبحث عن وسيلة لاستثمارها ، مع أن مشاريعنا الكبرى تعتمد أساساً على المديونية التي لا تخلق تنمية. هدفنا يجب أن يدور حول اجتذاب الاستثمارات العربية والأجنبية التي تقوم بمشاريع اقتصادية لأنها مجدية وتتوفر لها أسباب النجاح وليس لمجرد تسجيل مواقف.
لا نقول هذا لإحباط الطموح الجامح الذي يبديه البعض بكل النوايا الحسنة ، ولكنا نقوله إشفاقاً من الوصول إلى حالة يأس بعد فشل الأفكار الكبيرة والمشاريع الكبرى واحدأً بعد الآخر كي لا يصبح الفشل عنواناً لمشاريعنا.
المشروع الكبير الذي لا يريد أحد أن يواجه أعباء إنجازه هو تحقيق قدر أكبر من النمو الاقتصادي ، والاكتفاء الذاتي ، وتخفيض عجز الموازنة العامة ، والحد من تفاقم المديونية التي وصلت إلى مستويات تهدد استقلال واستقرار البلد ومستقبله الاقتصادي والسياسي.