0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

اختيار الكلمات وانتقاء الحقائق

تشتمل اللغة على مترادفات عديدة تؤشر إلى الشيء ذاته، لكن المترادفات ليست متطابقة في المعنى أو في التعبير عن المواقف.

الإرهابيون، المتشددون، المتطرفون، المقاومون، المتمردون، الثائرون، المسلحون إلى آخره، كلها تدل على مجموعة من الأشخاص تمارس العنف بطريقة أو بأخرى، ولكن استعمال كلمة دون أخرى في وصف هؤلاء يدل على موقف القائل وعلى الصورة الإيجابية أو السلبية التي يريد نقلها عن موضوع الكلمة.

ثوار، معتصمون، متظاهرون، محتجون، مشاغبون، مندسون، إلى آخره، كلها تشير إلى نفس المجموعة المتحركة في الشارع تطلق الشعارات، وكل منها يدل على موقفنا من تلك المجموعة.

قام شاب فلسطيني بطعن جندي إسرائيلي وأخذ سلاحه. المصادر الفلسطينية قالت أن (المواطن) الفلسطيني (طعن) جندي الاحتلال الصهيوني و(استولى)على سلاحه. والمصادر الإسرائيلية قالت إن (إرهابي) فلسطيني (اعتدى) على الشرطي الإسرائيلي و(سرق) سلاحه.

ربما كان اختيار الألفاظ المحملة بالمعاني المقصودة مسموحاً به للسياسيين المنحازين إلى مواقف معينة معلنة، فهل هو مسموح به أيضاً للصحافيين الذين كثيراً ما يدّعون الحياد والموضوعية؟.

كنت أرغب في الإجابة على هذا السؤال بالنفي، فالأحداث يجب أن توصف كما هي بدون تدخل شخصي، كما فعلت عندما وصفت الفلسطيني بأنه شاب، ووصفت الإسرائيلي بالجندي، والعملية بالطعن، ثم (أخذ) السلاح.

لكني في هذه الحالة أطلب المستحيل، فالإعلامي ليس محايداً ولو ادعى ذلك، ولكنه قد يكون موضوعياً إلى هذا الحد أو ذاك. والإعلام انتقاء بالدرجة الأولى. الأخبار كثيرة فماذا ننتقي منها للنشر، والأحداث عديدة وحمالة أوجه، فأي وجه نتبنى؟

إلى جانب انتقاء الكلمات التي تعطي الإيحاءات المرغوب فيها، يقوم الصحفي بكتابة عناوين الأخبار، وهي في بعض الأحيان أهـم من محتويات الخبر، لأن من يتصفح الجريدة يمر على العناوين وقلما يقرأ التفاصيل.

ليس المقصود هنا أن يعطي العنوان انطباعاً يخالف متن الخبر، كما نجد في صحافة الإثارة، المقصود انتقاء أهم ما في الخبر من وجهة نظرنا.

من حق الصحفي أن يأخذ موقفاً ولكن لا يجوز له أن يكذب، وعليه أن يكون دائماً إلى جانب الحقيقة، لكن الحقائق كثيرة، ومن حقه أن ينتقي الحقائق التي يعرضها والكلمات التي يوظفها.