من يقرأ؟
من الصعب على المرء أن يحصر ما كُتب في الأردن عن العنف الذي يمارسه الطلبة في الجامعات الأردنية، بعد أن أصبح ممارسة «اعتيادية» بين حين وآخر، وقد استفزت هذه الممارسة التي أخذت حجم الظاهرة عددا كبيرا من الباحثين والكتاب والأخصائيين الاجتماعيين، فصالوا وجالوا في استبطانها ومحاولة فهمها، خاصة وانها بلغت ذروتها يوم الثلاثاء 03-04-2013 حين توفي طالب الهندسة في جامعة مؤتة اسامة الدهيسات في مشاجرة لم يكن طرفا فيها، وقد فجع المجتمع الأردني بأسره بهذه الحادثة، رغم أنها جاءت بعد نحو أربعة اشهر من حادثة مشابهة، حينما شهدت جامعته نفسها سلسلة من المشاجرات حين تعرض أحد الطلاب في كلية أسامة لطعنة أدت إلى وفاته!
ذهب من كتب في تحليل وفهم ظاهرة العنف الجامعي مذاهب شتى، واجتهد كثيرون في محاولة وضع «بلسم» شاف لمعالجتها، وعقدت الندوات والمؤتمرات، وورشات العمل، ولكن الظاهرة بقيت في تنامٍ مضطردٍ، ويندر أن يمر أسبوع دون أن نشهد واقعة عنف جامعي في إحدى الجامعات الأردنية، ولا يتوافر حتى الآن، وفي حدود علمي، إحصائية موثقة تحصر عدد المشاجرات التي وقعت في الجامعات الأردنية، إلا أن هناك إحصائية ذات بعد دلالي تقول إن هناك دراسة علمية حول العنف المجتمعي في الاردن اظهرت وقوع 752 مشاجرة جماعية منذ عام 2009 ولغاية 31 أيار عام 2010، نتج عنها 25 حالة وفاة و2881 إصابة اغلبها بليغة وتدمير عدد كبير من المنازل والمحلات التجارية، إلا ان هناك اتفاقا على أن ظاهرة العنف الجامعي في الأردن تفاقمت في العقدين الأخيرين فقط، ولم تكن قبل هذا التاريخ ظاهرة مؤرقة!
يقول الدكتور موسى شتيوي: مضى الآن ما يقارب عشرين عاماً على أول مشاجرة جماعية في الجامعة الأردنية. بعد ذلك، تنقل العنف الجامعي بين الجامعات الأردنية. وكانت ترتفع وتنخفض وتيرة هذا العنف بين فترة وأخرى، بحسب الظروف، يواصل الدكتور شتيوي حديثه عما جرى قبل عام بالضبط، حين قاد الملك عبدالله الثاني جهوداً أفضت إلى الإيعاز لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتشكيل لجنة لوضع استراتيجية للحد من العنف، كانت برئاسة شتيوي. وقد أُنجزت الاستراتيجية في حينه، وأصبح عمرها يُقارب السنة الآن. ويتساءل شتيوي قائلا: لا أدري ما إذا كان معالي وزير التعليم العالي الحالي يعلم بوجود هذه الاستراتيجية أم لا؟.
والحقيقة أن هذه الاستراتيجية التي وضعت يدها على الجرح لم تتخذ طريقها إلى التنفيذ ويبدو أنها ستبقى حبيسة الأدراج لوقت غير معلوم، كونها الوحيدة التي شخصت الحالة بطريقة علمية صارمة، ولكن تنفيذها يتطلب تغييرا جذريا في كثير من البنى الاجتماعية، وربما التشريعات والتعليمات التي تحكم سياسة القبول في الجامعات!
ترى الاستراتيجية ان احد اهم اسباب العنف الجامعي ومرتكبيه من اصحاب المعدلات المنخفضة من الدارسين بالكليات الانسانية والاعمال وفئة بسيطة من طلبة الكليات العلمية، والفئة الطلابية التي قبلت على اساس الاستثناءات باشكالها المختلفة (الاستثناءات تأكل 80% من المقاعد ويتنافس الباقون على 20% فقط) اضافة الى بعض سلوكيات الواسطة والمحسوبية التي تمارس داخل الجامعات، وعدم الالتزام بتطبيق تعليمات الجامعات فيما يتعلق بالعقوبات لاسباب عشائرية وتدخلات خارجية. الاستراتجية التي اعتمدت مبدأ العمل الميداني والاحصائيات والدراسات أظهرت أيضا ان الطلبة المتورطين بأحداث العنف يعانون من انخفاض مستوياتهم الاقتصادية وفقدان التواصل الاجتماعي مع اسرهم. ولهذا دعت الى ضرورة تطوير عادل لآليات القبول الجامعي بما يستند الى المنافسة والتحصيل العلمي والقدرات وإجراء امتحان للقبول ولا يبقي فقط على امتحان الثانوية العامة ليكون موجها لدراسة الطالب بالجامعة! فمن يقرأ؟