أشبال «الجيوغرافيك»
اجتمع الثلاثي الممل في وقت واحد ؛العطلة المدرسية،الصيف، موجات الحر..حيث أصبح بيتي عبارة عن غابة صغيرة ، فقط نحتاج إلى تعليق صوتي (فويس أوفر) وتصبح حياتي كلها «ناشيونال جيوغرافيك»..لقطة استعراضية للأولاد تكتشف أن الغابة الواسعة والمطاردات اليومية التي تصورها لنا الأفلام الوثائقية قد تقلّصت إلى غرفة 4 X 4 .. أحد الأولاد يتثاءب على اتساع فمه ويستغرق مدة طويلة وهو يتثاءب هذه اللقطة شاهدتها في حلقات «حياة النمور»…وآخر مضطجع على جنبه الأيمن ورجله اليسار تتقدم اليمين «تماما مثل المقص» ويرمش ببطء هذه تحديداً تذكرني بيوميات الأسود التي تعرضها نفس المحطة..أما أصغر اثنين فيتبادلون الضرب دون سبب وخطف الألعاب والهرب خلف أحد الوالدين أو كلاهما…لا تحتاج إلى كثير من التفكير «تكاثر الشمبانزي»..الزحلقة في صينية الكاسات أو الرفش في بطن النائم انه «الهروب الجماعي للبوفالو» من بركة التماسيح … حتى الحركات ، طريقة الاقتناص ، الاستجابة للأوامر ، الاختباء من الأخطار ، المشي في أرجاء الغرفة يتم ببطء وملل تماماً كما تنقله كاميرا الوثائقيات من الغابات الاسترالية ومن «السافانا».. أما أنا فأبدو مثل غوريلا عجوز ملول يراقب المشهد ويتدخل بصفعة هنا أو «ركلة»هناك لأحد المعتدين عند الضرورة.
أحزن عليهم في كثير من الأحيان..المُتع محدودة ، الخيارات جدا قليلة، حتى وسائل الترفيه صارت بحاجة إلى ترفيه ، نوم ،تلفاز، «أتاري»، معجون، مشاجرات أخوية، مباطحة على الطريقة الرومانية ، ثم ترتيب القطاعات من جديد ، مشاجرات، نوم، أتاري،تلفاز، مصارعة رومانية،معجون ..حتى المراكز الصيفية صارت متشابهة والالتزام بها يشبه إلى حد كبير الالتزام بالمدرسة، مع روتينها اليومي تصبح مدرسة ثانية ،عدا أنها غير متوفرة في كل مكان…ثم أن الطفل يهرب من الالتزام والقيود..هو يريد أن يعيش حياته الحرة دون مواعيد ومواقيت وأوامر هو يريد أن يعيش حياة البرية كما هي ..يدون إشارات مرور وبدون قواعد لسير الحياة …بالتأكيد مع عدم إغفال زرع القيم…لكن زيادة مساحة الحرية التي يختار ويقرر ويستمتع هو بها..
أحزن على الطفولة التي لا تستطيع أن تنال كل ما تحب ، وتتقيد بما نستيطع ونحب…الطفولة في بلادنا «كهولة مبكرة «لكن بدون شوارب»!!