انقلاب مشبوه كان يجب إفشاله
كان يجب أن تفشل محاولة الإنقلاب العسكري، التي جرت في ساعة متأخرة من مساء أمس الأول الجمعة، في تركيا فنجاحها كان سيعني إنتكاسة كبيرة في مسيرة هذه الدولة الإسلامية، التي تحتل موقعاً «إستراتيجيا» هاماً بين الغرب الأوروبي والشرق الآسيوي والتي كانت جربت الإنقلابات العسكرية على مدى نحو قرن بأكمله منذ إنقلاب مُصطفى كمال «أتاتورك» ضد الخلافة العثمانية في بدايات عشرينات القرن الماضي وحتى إنقلاب بدايات عام 1980 الذي من المفترض أنه آخر حلقة في سلسلة إنقلابات طويلة إتخذت حجة لعدم إلتحاق أنقرة بالعائلة الأوروبية التي بقيت تغلق أبوابها في وجه هذه الدولة التي لبعض دولها معها تجارب مُرة قديمة .
ربما أن هناك، عرباً وعجماً وغيرهم، غير معجبين بتجربة حزب العدالة والتنمية التركي ولا بإنجازات رجب طيب أردوغان الإسلامي ولا بتقلباته السياسية الأخيرة، لكن وعلى أي حال فإن هذا لا يبرر عودة تركيا، التي أصابها الإعياء وهي تقرع الأبواب الأوروبية وبدون سامع ولا مجيب، إلى مسلسل الإنقلابات العسكرية التي أنهكت هذه الدولة التي ورثت إمبراطورية عظيمة تكاد لم تكن تغيب عن أملاكها الشمس والتي كان من الممكن أن تكون رديفاً داعماً للعرب في كل قضاياهم الرئيسية العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية لو لم تستمر تأثيرات المعادلة التي أرسى أسسها مصطفى كمال «أتاتورك» لسنوات طويلة .
لقد بدأت تركيا مسيرتها الديموقراطية ، التي حققت إنجازات هائلة بسرعة الضوء، عملياً مع حزب العدالة والتنمية والمعروف أن الإنتعاش الإقتصادي الهائل يأتي في مقدمة هذه الإنجازات مما يعني أن نجاح هذه المحاولة الإنقلابية، التي نحمدالله أن مصيرها كان الفشل، كان سيؤدي إلى العودة إلى تلك الأيام السوداء البائسة عندما كانت الليرة التركية لا تساوي شروى نقير .
والسؤال الذي غدا مطروحاً حتى قبل إنكشاف أسرار كثيرة ستكشفها الأيام المقبلة القريبة أو البعيدة هو : هل هناك يا ترى أي مبرر لهذه المحاولة الإنقلابية التي لو أنها نجحت ، ونحمد الله مثنى وثلاث ورباع أنها لم تنجح، لقلبت المعادلات السياسية في الشرق الأوسط كله لغير مصلحة العرب وعلى غرار ما كانت عليه الأوضاع قبل أن تدير تركيا وجهها، وإنْ ليس إستدارة كاملة، تجاه هذه المنطقة «العربية» وتجاه قضاياها الضاغطة وعلى رأسها القضية الفلسطينية .
وهنا فإن المفترض أن العرب كلهم ضد محاولة الإنقلاب هذه التي هي لا يمكن إلا أن تكون مستغربة ومشبوهة وذلك لأنهم عاشوا مع الإنقلابات العسكرية نحو قرن بأكمله ولم تكن النتائج إلاّ الخيبات المتلاحقة وإلاّ هذا الذي لا يزال يحصل في بعض الدول العربية ومن بينها سوريا التي شهدت منذ عام 1949 أكثر من عشرين إنقلاباً عسكرياً آخرها إنقلاب حافظ الأسد في عام 1970 الذي أدخلها في هذا النفق المظلم الذي يبدو، بعد تجربة الخمسة أعوام الماضية وحقيقة قبل ذلك، أنه بلا نهاية !!.
وهكذا فإنه لا يمكن إلا أن نكون ضد هذه المحاولة الإنقلابية الفاشلة المشبوهة وأنه لا يمكن إلا أن نتمسك مع حزب العدالة والتنمية ومع رجب طيب أردوغان بهذه التجربة الديموقراطية التركية التي لا يمكن أن يكون بديلها إلا العودة إلى سلسلة الإنقلابات العسكرية الدموية التي إختطفت من عمر هذا البلد العظيم سنوات طويلة كان بالإمكان إستثمارها مبكراً لتصبح هذه الدولة بمستوى الدول الكبرى المتقدمة سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً وثقافياً وحضارياً .. وعلى كل المستويات .