0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

آباء بين الشكر والعتاب!

في زمن مقلوب، تعتذر فيه الشمس للوطواط، ويمشي الناس على رؤوسهم حيث تعلو العيون على الحواجب، ويحدقون في التراب بدلا من الفضاء، يصبح الاباء الذين يستحقون الشكر والعرفان بحاجة الى شيء من العتاب.

وعلى الابن ان يشكر اباه ولا يعتابه اذا ربت على كتفيه في طفولته لانه سرق ممحاة زميله، او اذا سمعه يقول لاخته ان جعت عليك ان تأكلي بثدييك. او اذا سمعه يحذه من زراعة الرجال لانهم اذا كبروا يخلعونه!

اما الاباء الذين قبضوا على جمر كرامتهم ولم تنكسر عيونهم وعلموا ابناءهم ان الموت يصبح غنيمة اذا كان الخضوع هو الحياة، فهم يستحقون من ابنائهم العتاب لانهم ورطوهم في زمن لا خبز لهم على موائده، ولديهم من فائض ماء الوجوه ما يقيهم شر الارتهان ولو كان هؤلاء الاباء الذين عفوا عن جثث تكالبت عليها الضباع يتوقعون ما ينتظر ابناءهم من كمائن لربما وأدهم او ادخروا لهم من لحم اكتافهم ما يكفيهم ويحقق لهم الاستغناء.

وحين يصبح الاستثناء قاعدة فان كل منظومة القيم والمفاهيم تنقلب، ويصبح من يمتنع عن الشرب من نهر الجنون مجنونا بين عقلاء هم في الحقيقة بلا عقول.

وان المرء ليتساءل باندهاش اين ذهبت كل تلك الكتب والفنون والعقائد والفلسفات بحيث اعيد الانسان الى ما كان عليه في الغاب خلال نصف قرن فقط وهو الذي استغرقت رحلته من الكهف حتى هذا الزمن مئات القرون!؟

فهل كانت الاجنحة التي حلق بها الانسان من شمع كأجنحة ديدالوس وما ان اشرقت الشمس حتى ذابت وسقط مضرحا بدمه وماء وجهه ولعابه؟

ام كانت الثقافة كلها مجرد طلاء على قصدير ما ان لامسته الاصابع المعروقة حتى افتضح الصدأ الذي عشش تحته؟

اننا لكي نصدق ما نرى ونسمع علينا ان نجري غسيلا طوعيا للذاكرة او ان نبحث عن طبيب ماهر يعجل باصابتنا بالزهايمر، فما يحدث غير مسبوق وقد لا يكون ملحوقا لانه ما من انتهاك لم يحدث بعد فالضبع الذي يلعق امعاءه اذا اصيب بعيار ناري مزق احشاءه ينهي المسألة كلها، وما يبث من ثقافة برغماتية وميكافيلة يتحول برغمانوس وميكافيلي ازاؤهما الى قديسين بريئين هو تصنيع بامتياز، ومن يحذرون من التطبيع مع عدو افترس ارضهم واعمارهم يفوقهم احيانا ان التضبيع انكى من التطبيع، لانه يحول الكائن الادمي الى ضبع يتربص بما يتركه له النمر من جلد وعظم الفريسة.

الشيء الوحيد الباقي هو جملة من الاعتذارات يتقدم بها العشب الى الرمل والشمس الى الظلام والعالم الى الجاهل والربيع الى الخريف والدماغ الى الامعاء.

ما تبقى هو اعتذار الشهيد للجاسوس والعفيفة للبغي. والنسر للسلحفاة. وان لم يتدارك هذا الجنس البشري متوالية التقريد والتضبيع فان القادم لا يبلغه خيال ولا تستيطع اي زرقاء يمامة ان تحرزه، ولم يبق خارج الهجرة الا القبور والاشجار.

ومن يدري لعلهم يعدون لها خياما اضافية اذا قررت الرحيل!!