قبلات ذكورية
ليس من عادة سيئة, كعادة تبادل القبل بين الرجال, بسبب ودون سبب, وهي عادة رائجة بين العرب, وبيننا بشكل خاص, وتلك العادة لم تحد منها الأمراض المعدية, ولا الحضارة, ولا جدواها العاطفية أيضاً, إذ تخفي خلفها كراهية باطنية, أحياناً, ونفاقا اجتماعياً على الأغلب.
البعض يتفنن بقبلة واحدة بصوت مثل صوت «بريك مفاجئ» لسيارة متدهورة, وآخر ُيبدع بتقنيات التقبيل الثنائية المدوّبلة او عبر التركيزعلى خد واحد, وثالث ُيقبل شخصاً ويترك من يجاوره, ويخص فلاناً, ويترك علاناً, وكأنه ُيشهّر قربه ونفوره من الأشخاص.
تذهب إلى مناسبة ما, فيُمطرك الحاضرون بالقبلات الخشنة, وفي حالات تمطرهم أنت تقبيلا ساخناً, مثنى و ثلاث و رباع و خماس.
إذا كنت في مناسبة سعيدة, أو غير سعيدة فإن احتسابك لعدد القبلات التي تطبعها على خدود الرجال أو يطبعونها على خديك سيؤدي بك الى الذهول, ولو تنبّهت الحكومات وفرضت ضريبة على القبلات لجمعت مالا كثيراً يغنيها عن الضرائب الأخرى.
عادة سيئة للغاية, وتنقل الأمراض, ولم تعد مناسبة اجتماعياً وحياتياً, وبدلا من المصافحة باليد بين الرجال, تجد القبلات في كل مكان, حتى بين من يتعاملون مع بعضهم يومياً, وكأنهم يرون بعضهم البعض بعد غياب طويل.
في دول عربية أخرى يتم التقبيل بطريقة مبتكرة, وأكثر سوءاً, فالتقبيل يتم عن طريق تحرش الأنف بالأنف, وحك أنف الأول بالثاني, باعتبار أنه لا فيروسات ولا رشح ولا أمراض سارية, فالمهم ان يحدث «التلامس» بين فرسان العرب ورجالاتهم الذين ما فازوا بحرب, ولا ردّوا غزوا, ولا نصروا قبيلة, ولا ستروا على الناعمات والحرائر.
تبادل القبلات تعبيراً عن المودة والحب والاحترام, يليق بتلك الواجبات الوجدانية تجاه الأب والأم, إذ تقبلهما, وتقبل أيديهما ايضاً, وتليق بالطفل اذ ُتقبله حنواً على رأسه و تطبعها عزاً على جبينه, وفي حالات ترسمها ذكرى على خد الطفل دلالا وتقوية لرابطك به.
أجمل القبلات بين الرجال إذ تقبل العزيز عليك خطفاً على كتفه, وهي عادة أرفع مكانة وأرقى من قبلات الخدود, وقد لا يستحقها في حياتك سوى رجل او رجلين, فيما بقية الوقت لا بد أن تخضع فيه العلاقات للمصافحة فقط, وفيها عزم وقوة وطبيعة تناسب الرجل أكثر.
في دول غربية تجد ايضاً قبلات الرجال متداولة, على قلتها, وترى النقيض كلياً, فقد يحييك الرجل الغربي الذي تعرفه بإيماءة من رأسه أو ابتسامة ولا يكون هناك مصافحة ولا قبلات مجانية منثورة في الهواء الطلق.
في مجلس ما, ترى الرجال ُيسلمون على بعضهم وينثرون القبلات الحارة, فتتعجب من قدرة الرجل الشرقي على أن ُيقبل من لا يحب, و من لا يطيق, وأن يرضى بقبلات خصمه مع ابتسامة صفراء تمنع وصول منخفض جوي, فالقبلات هنا لا تقول شيئا, سوى أنها عادة لا تختلف عن حرق السيجارة, أو رمي عقبها.
أنواع القبلات الأخرى, ليس هنا مجال ذكرها, وهي بحاجة لكاتب غيري متخصص بهذه الفنون الجميلة, ويبقى كلامنا عن قبلات الرجال الأهم, لأن تبادل القبلات بين الذكور لا يليق ولا يعني شيئاً, وغير صحي, فوق أنه لا يحمل على الأغلب أي مشاعر.
لو كانت ملايين القبلات التي نتبادلها سنوياً, تعني حباً عميقاً, لكنا بألف نعمة من الله..أليس كذلك؟!.
maher@addustour.com.jo