أن تنام وحيدا!
من آداب «النوم» : تجنب نوم المرء بمفرده : عن ابن عمر: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الوَحْدَة، أن يبيت الرجل وحدَه، أو يسافر وحدَه. أخرجه أحمد، وذلك لما يحصل في الوحدة من الوحشة وكثرة الأوهام ولعب الشيطان بالعبد حين يكون وحيدا!!
ربما يكون الكبت وما ينتج عنه من أمراض جسدية ونفسية هو مشكلة الشرق الأولى، مع ما يرافقه من الشعور الدائم بالحرمان، واهتزاز الثقة بالنفس، إنها عبودية من نوع جديد، لم تزل عقبة في طريقه تحرره، وامتلاكه لجسده، فمن لا يملك جسده، لا يمكن أن يمتلك وطنه، وبالتالي لا يمتلك أي شيء، وهو عاجز عن تحقيق أي إنجاز!
روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينار قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل فسمع امرأة تقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه
وأرقـنـي أن لا خليـل ألاعـبـه
فوالله لولا الله أني أراقبـــــه
لحرك من هذا السرير جوانبه!
فسأل عمر ابنته حفصة: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستة أشهر، أو أربعة أشهر، فقال عمر: لا أحبس أحداً من الجيوش أكثر من ذلك.
فما بال من لا زوج لها؟ وتنام وحيدة؟ أو لا زوجة له، وينام وحيدا؟ أنى له ولها أن يبدعا ويجترحا ما هو مأمول منهما من إنجاز؟
قيل في الأمثال العامية: أعزب دهر ولا أرمل شهر، والقول لا يحتاج لتأويل أو شرح، فما لأناس يعذبون أولادهم وبناتهم، ويمنعونهم من أن يعيشوا حياة طبيعية، ويضعون العراقيل في طريق الزواج، حتى غدا مشروعا اقتصاديا مكلفا…؟
قد يبدو الأمر في مجمله اقتحاما لمنطقة محظورة، أو ترفا فكريا من «فضول الكلام» ولكنه في صلب ما نعانيه من مشكلات طاحنة، ولوأحصينا الساعات التي يهدرها الشباب وهم يحومون حول حمى «الإشباع» الملتبس، لذهلنا أيما ذهول، فالجسد المتوتر المشغول بحاجة طبيعية كالماء والهواء والطعام، ليس جسدا سويا.
وحتى في معتقدات غيرنا، ثمة من اهتم بهذا الموضوع، وإن على نحو مختلف، قد يثير الاستغراب، جاء في رواية الكاتب نيكوس كازانتزاكيس زوربا اليوناني: سأقول لك الآن شيئا أرجو أن تفهمه، انني لم أعرف للراحة طعماً طيلة الأيام الأخيرة بسبب الأرملة.. وأرجوك ألا تسيء فهمي، فأنا لا أريدها لنفسي ولن أمسها لأنني لست من طرازها.. ولكني لا أريد أن يخسرها الجميع ولا أريد أن تنام وحدها. فذلك ليس من الصواب. انني أطوف بحديقتها كل ليلة وهذا سر رحلتي إلى القرية كل مساء فهل تعرف لماذا؟ كي أرى ما اذا كان هناك من ينام معها، ليرتاح بالي وتطمئن نفسي. ثم يقول لمحدثه: لا تضحك. اذا نامت امرأة وحدها فالذنب ذنبنا نحن الرجال وسوف نحاسب عليه في يوم الدينونة! وفي موضع آخر يجري حوار بين زوربا وصاحبه، يقول فيه: إن من يستطيع النوم مع امرأة ولا يفعل، يرتكب اثما عظيما يعاقبه الله عليه يوم القيامة وتكون جهنم مصيره. ثم تنهد زوربا ويردف قائلا: اذا كانت هناك جهنم فسأذهب إليها لهذا السبب.. ليس لأنني سرقت وقتلت وارتكبت المنكر، وانما لأنني ذات ليلة في سالونيك رفضت الذهاب إلى امرأة تنتظرني في فراشها!.
لا تذهبوا بعيدا، فمقاربة زوربا لها شأن آخر، وليست منا ولسنا منها، ولكنها هنا للاستدلال الإنساني ليس أكثر!.
hilmias@gmail.com