عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

هذا هو الغنوشي!!

حتى في تونس نفسها فإن هناك من يشكك بالخطوة التي أقدم عليها راشد الغنوشي بتحويل حركة النهضة التي يتزعمها إلى حزب سياسي (مدني) لا علاقة له بالإسلام السياسي ولا بالإخوان المسلمين وتنظيمهم العالمي وحقيقة أنَّ هذا الرأي أو الحُكم هو تشكيك بدون أي أدلة وأنَّ الأمر قد يتعلق بالمشاغبة على هذا التنظيم ، الذي هو أول فرعٍ «إخواني» يتخذ مثل هذه الخطوة ، لقطع الطريق عليه قبل الإنتخابات المحلية والإنتخابات الرئاسية المقبلة ، التي أغلب الظن أنه سيخوض غمار معركتيهما.
وهنا فإنَّ ما تجب الإشارة إليه هو أنَّ الغنوشي لم يبدأ «إسلامويَّا» ولا «إخوانياً» وإنما: أولا ناصريّاً ثم إشتراكياً كرئيسٍ لفرع حزب الإتحاد الإشتراكي ثم بعد نكبة العرب في حرب يونيو (حزيران) 1967 إتجه إتجاها إسلاميا أوصله وأوصل تنظيمه هذا إلى «الإخوان المسلمين « الذين بحكم تكوينه الوطني والقومي في البدايات لا يتفق مع هؤلاء على أمور كثيرة ربما من بينها العداء للرئيس جمال عبدالناصر وللناصرية بصورة عامة وأيضا العداء للقومية العربية وإعتبارها دعوة جاهلية كان قد بدأها تنظيميا البعثي المؤسس ميشيل عفلق والدكتور جورج حبش مؤسس حركة القوميين العرب بمشاركة عددٍ من زملاء الجامعة الأميركية من بينهم الدكتور وديع حداد والدكتور هاني الهندي.. ومن بينهم أيضا ، كما يقال ، الدكتور أحمد الخطيب.
كانت تجربة الشيخ راشد الغنوشي مع الإخوان المسلمين ، التي كان بدأها في السودان على ما أظن وأعتقد، مُرَّة وقاسية فالعقلية مختلفة والمفاهيم متباعدة ولعل ما لا يعرفة كثيرون هو أنّ كل الأحزاب القومية والأممية «المشرقية»، نسبة إلى المشرق العربي ، لم تستطع أن توجد لها أي موطىء قدم في «أقطار» المغرب العربي اللهم بإستثناء موريتانيا بحدود معينة ولذلك فإن تونس لم تستطع «هَضْمَ « حركة النهضة التي عادت إليها من المنافي الجغرافية والفكرية البعيدة بعدما أطاحت عواصف الربيع العربي نظام زين العابدين بن علي وأوجدت مناخات في هذا البلد الجميل أرضاً وشعباً وثقافة وعلاقات إجتماعية غير المناخات السابقة.
لقد إختار راشد الغنوشي :»الإتجاه الإسلامي» بعد صدمة هزيمة العرب في حرب عام 1967 لقناعته الميدانية بأن الأفكار والتطورات والتطلعات التي عاد بها بعد تلك الرحلة التي أخذته إلى القاهرة ، عِشْقَهُ الأول ، ثم إلى دمشق ثم إلى الضياع واليأس في عدد من الدول الأوروبية من بينها فرنسا التي إلتقى فيها ببعض «الدعاة» الباكستانيين.. ثم إلى جامع الزيتونة حيث بعد التعرف على الشيخ عبدالفتاح مورو كانت فكرة هذا التنظيم: «حركة النهضة» التي بسببها حكم عليه بالإعدام في عهد :»المجاهد الأكبر» ثم جرى تخفيف هذا الحكم في عهد بن علي إلى المؤبد.. ثم تم الإفراج عنه بعد إطلاق تصريحات أعتبرت معتدلة قياساً بمواقفه المتشددة السابقة المعروفة.
والمهم فإن المقصود بكل هذا السرد التاريخي هو التأكيد على أن راشد الغنوشي،صاحب التجارب «المُرَّة» والمكلفة والغنية ، عندما أقدم على هذه الخطوة التاريخية فعلاً فلقناعته بأن الإخوان المسلمين قد تفرقت بهم السبل وأنهم مثلهم مثل أحزاب القرن العشرين القومية والعالمية–اليسارية قد إنتهوا كأدوات تغييرية بدون أي إنجاز أو عطاء وأنَّ «إكرام الميت دفنه « ولقناعته أيضا بعد تجربة الخمسة أعوام الماضية بأنه لا مستقبل وبخاصة في تونس الاّ للقوى والأحزاب الوطنية ، المدنية والبرامجية ، وإنّ جَمْع السياسة والدين في وعاء تنظيمي واحد يعتبر في ضوء تجارب نحو قرن بأكمله هو جريمة الجرائم… ثم ويبقى هنا: أنه لا بد من القول إنه من حقِّ هذا الرجل ، الذي تحلىَّ بشجاعة هي غير مستغربة بالنسبة لمن يعرفه ، أن يخوض هو وحزبه (الجديد – القديم) غمار معركة الإنتخابات المحلية ومعركة الإنتخابات الرئاسية طالما أنه قال في رسالته «الوداعية» إلى مؤتمر التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي إنعقد في اسطنبول قبل أيام :»أنا مسلم تونسي..تونس هي وطني.. أنا مؤمن بأن الوطنية مهمة وأساسية ومفصلية..أنا أُعلن الآن أن تونسيتي هي الأعلى والأهم… لا أريد لتونس أن تكون ليبيا المجاورة.. ولا العراق البعيد».