0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

الضوء في نهاية النفق

تستحق الحكومتان، بل الدولتان، الأردنية والعراقية، التهاني الجزيلة، على اتفاقهما التاريخي الذي وُقّع في التاسع من نيسان 2013، بإنشاء خط أنابيب، على امتداد 1700 كيلومتر، لنقل النفط ومشتقاته من البصرة عاصمة الطاقة إلى العقبة، ثغر الأردن الباسم.
قليلاً ما نستمع هذه الأيام إلى أخبار سارّة، تبدد الظلمة والتشاؤم والتآكل والتفتت والاحتراب الذي يَلُف عالمنا العربي، ويضغط على صدورنا وقلوبنا وعيشنا.

اتفاقية استراتيجية مفصلية بكل ما في هذا التعبير من معنى. إنها الضوء الساطع في نهاية نفق مظلم خيّم على الأردن، خلال السنوات الأخيرة، نتيجة أزمة الطاقة، وما ترتب عليها من أزمات مالية واقتصادية واجتماعية، ألجأتنا مرة أخرى لطلب نجدة صندوق النقد الدولي، ونجدة الأشقاء والأصدقاء. إن إيصال مليون إلى مليوني برميل نفط يومياً إلى العقبة، عبر هذا الخط، هو حدث تاريخي حاسم، سينهي بعون الله مرّة وإلى ما لا نهاية، أزمة الطاقة الجاثمة على صدورنا، بالإضافة إلى ما سوف يُدرُّه على الخزينة العامة من دخل الترانزيت، والذي قد يصل إلى بضعة مليارات الدولارات.
بعد خمسة وستين عاماً منذ نكبة فلسطين، يعود بترول العراق، الذي كانت تنقله شركة آي بي سي إلى مصفاة حيفا عبر الأردن ومنها إلى فلسطين، ليصبح مُنتهاه في الأردن، وليغطي كل متطلباته من الطاقة، وبحدود مائة وخمسين ألف برميل يومياً، وتصدير الجزء الأكبر منه إلى الأسواق العالمية، وبينها أسواق عربية مجاورة، في مقدمتها مصر الشقيقة، التي تعاني حالياً، مثلما نعاني، أزمة طاقة خانقة. مشروع عربي تضامني بامتياز.
لم يكن البترول العراقي في يوم من الأيام، عَصيَّاً على الأردن، بل كان على الدوام، وفي مختلف عهوده، ملبياً كريماً لحاجاته. وأستذكر في هذه المناسبة زيارة قمت بها إلى بغداد عام 1958، في أعقاب قيام الاتحاد العربي الهاشمي بين العراق والأردن، وكنت وقتها وكيلاً لوزارة الاقتصاد الوطني. كان العراق قد قرر بيع نفطه إلى شريكه في الاتحاد – الأردن – بنفس السعر الذي كان يباع فيه في العراق – السعر في ذلك الزمن كان خمسة وعشرين سنتاً للبرميل! رقم مُذهل في دُنُوه، ولكنه كان السعر التفضيلي، بينما كان السعر العالمي دولاراً ونيِّف ليس أكثر، أصبح عام 1970 دولاراً ونصف دولار!
زرت في تلك المناسبة رجل الدولة الكبير نوري باشا السعيد في منزله. تباحثنا في مختلف جوانب تلك الاتفاقية، وغيرها، وبالأخص الوسيلة المثلى لإيصاله إلى الأردن بواسطة الأنابيب التي كانت مازالت قائمة، أو شاحنات النقل الخاصة. ولكن الاتحاد، ويا للأسى لم يدم طويلاً، ومع ذلك ظلت تلك المعاملة الأخوية التفضيلية الكريمة، السِمَةُ الغالبة في شتى العقود والعهود، وكما قد عبَّر عنها دولة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور بقوله، إن علاقات الأردن والعراق، كانت دائماً علاقات دولة وشعب، ومتجاوزاً تغيرات العهود والأزمان.
ومن حسن الطالع أن تأتي هذه الاتفاقية، في وقت بدأت فيه إسرائيل باستغلال مخزونات الغاز الهائلة في جوف شرقي البحر الأبيض المتوسط مقابل حيفا، والتي كما تقول، سوف تُغطي حاجاتها لمائة وخمسين عاماً! نعم حيفا التي كنت أعرفها في شبابي مدينة عربية عامرة زاخرة بأهلها، فأصبحنا نتحدث عنها وكأنها غريبة في أقاصي الدنيا، ولا حقوق ولا علاقات لنا بها أهل فلسطين. فيا للأقدار!
وما دمت في هذه النفحة من التفاؤل –على الأقل بالنسبة للطاقة- فلا يسعني إلا أن أؤكد أن الأردن ذاتياً وداخلياً، مقبل على طفرة طاقة كبيرة، تتمثل في الصخر الزيتي يكفي مئات السنين، ومخزونات غاز يقول العارفون إنها كبيرة، وطاقات متجددة شمسية ورياحية، وفوق ذلك كله مخزون وفير من اليورانيوم، وما أدراك ما اليورانيوم. غني عن القول أن من أولى أولويات الدولة، بكافة أذرعها، أن تلاحق إخراج تلك الثروات إلى حيِّز الوجود، بكل ما أوتيت من قوة وتسريع، لتجاوز السنوات الثلاث العجاف قبل بدء تدفق تلك الطاقات، فالطاقة هي عصب الحياة الحديثة ولا حياة بغيابها