أُولي الأسباب..
في السياسة ، لا تعتبر كل بدعة ضلالة ، على العكس قد تكون هناك بعض البدع السياسية هدى وسمواً ورقيّاً ان تم تطبيقها على وجه صحيح..ولا بأس ان يتعلّم أهل السياسة من أهل الفن او أهل الرياضة بعض «البروتوكولات» وحتى الطقوس في تعاملهم مع الجمهور والمتابعين..
جرت العادة في الدوريات «المسعدة» والبطولات «اللي عليها العين» ؛ كمباريات الدوري الإسباني ،الأندية الأوروبية ، كأس أمم أوروبا ،وحتى كأس العالم ، بعد ان يطلق الحكم صافرة النهاية ويحتفل الفريق الفائز بفوزه ، ويلملم الفريق الخاسر جراحاته، يتوّجه كلا الفريقين الى غرفة تبديل الملابس بعد احتفال قصير ،بينما يذهب كل مدرّب إلى صالة منفصلة ومجهّزة بالكاميرات والميكروفونات ويعمرها عشرات الصحفيين ليعقد مؤتمره الصحفي الذي يبين فيه أسباب فوزه ، أو يعزي فيه أسباب خسارته، ويتكلم عن نقاط ضعفه ورأيه بالتحكيم وكل ما يتعلق بظروف ومجريات المباراة…هذا المؤتمر الصحفي الذي عادة لا تزيد مدته عن نصف ساعة يقطع كل اجتهادات المجتهدين و يختصر تحليلات الهواة ويبين ما حدث بإخلاص وأمانة دون تأويل أو تهويل..
ولأننا مجتمع يحب «الآكشن» ، ودائماً ما يبحث عن «الغموض» بدءاً من «البحث عن الذهب» و«الرصد على المغاير» ..و«قصص الجن والسّاكونة».. فما أن يَخرج المسؤول الأردني – بفتح الياء – من منصبه أو يُخرج –بضم الياء- الا وتتصاعد ألسنة التكهّن والتحليل والمصادر المقربة ، وما أن يجري تعديل وزاري أو تتم «إقالة» مسؤول من مكانه «ع السكّيت» ..حتى تتكاثر الأسئلة حول الخروج وملابسات «الإقالة»،وتبدأ خيوط القصص تحاك بصنارة الخيال لتفصّل حكاية تبدو حقيقية تماماً، الروايات قد تتضخم وتصبح خرافية للغاية ،وقد تصبح حقيقية بالتقادم بفضل اصرار الحكومة على تسطيح وتتفيه أسباب «إقالة» المسؤول من جانب…واعتكاف المسؤول «المُقال» والتزامه الصمت ورفضه الحديث من جانب آخر طمعاً في منصب قادم ،وكأن خروج المسؤول من موقع المسؤولية « خادش للحياء العام» او «فيها عيب ونقيصه لا سمح الله»…طيب لماذا لا يخرج الناطق الاعلامي ويصرح انه تم قبول استقالة فلان او خروج علان من الحكومة لأنه قام بكذا وكذا وقصر في جانب كذا لكنه نجح في جانب كذا؟.. ولماذا لا يقوم المسؤول الخارج من «اللعبة السياسية» ان يعقد مؤتمراً صحفياً بنفسه يبين أسباب خروجه ،ومعيقات عمله وغياب التوافق مع الرئيس الخ؟..
في أوروبا فور خروج وزير من وزارة خدمية يكتب في كل صحف العالم بما فيها صحف بلاده استقالة وزير الصحة البريطاني،الفرنسي /الايطالي / بسبب تلقيه رشاً ومبالغ مالية على سبيل المثال ، إقالة وزير الإسكان بسبب استغلاله وظيفته والتوسط في معاملة استقدام عاملة منزل..الخ.
المضحك في وضعنا المحلي أنه في ظل الصمت الرسمي وصمت المسؤول «المُقال»…الإشاعات التي تطلق على أسباب الخروج أخطر وأقسى وأهم من أسباب الخروج الحقيقية التي قد لا تعدو ان تكون اختلافا في وجهات نظر…
أرى أنه من محاسن الديمقراطية الحقيقية ، أن يتم مكاشفة الشعب بكل شيء ،ومصارحتهم بجل التفاصيل التي تشغل بالهم، والقضايا لتي تؤرقهم وإشراكهم في العمل السياسي كشركاء حقيقيين ..بدلاً من «تحزيرهم» و»حرقصتهم»..وإقصائهم…ولسان حالهم الحكومة يقول : «شغلة بيننا وبين الزلمة مالكوش دعوة»..
الجمهور هم من يدفع رواتب اللاعبين …ومن حقهم ان يعرفوا لماذا وكيف يخرج فلان ولماذا وكيف يدخل علان..
ولكم في الرياضة مثال يا «أُولي الأسباب»..