تعتيم الصورة أو إظهار الحقيقة
كالعادة، وبعد كل صدام مع المتظاهرين، تأتي الروايات التي يعاد استنساخها من نفس الذاكرة المحفوظة دون امتلاك ادنى مهارة جديدة ودون مراعاة قواعد المنطق ومراعاة عقول الاردنيين, موالون تصادموا مع معارضين وكان التدخل لفض الاشتباك ولولا التدخل لسالت دماء كثيرة.
والخبر يحمل مناقضة مهنية، فلا يوجد موالٍ ومعارض، بل هناك معارض ومؤيد، فالجميع موالٍ للوطن، واستقراض المصطلح من لبنان الشقيق لا يمنحه مشروعية اردنية, وقد كثر الاستقراض من الاعلام اللبناني بعد ان باتت اللهجة في الاعلام المشاهد والمسموع لبنانية بامتياز.
الرواية الرسمية مغرية رغم انها ليست طازجة, فالحكومة مع احترام الحق الدستوري بالتظاهر, وطوال اشهر سابقة لم يتغير سقف الهتاف ولم يتغير اسلوب التعامل مع المتظاهرين، فلماذا الان؟ وهو سؤال فيه منطقية رسمية على افتراض غياب الصورة ولو كان الخبر منقولا على محطة اذاعية لكان مقنعا ولافتا وفيه الكثير من البراءة.
الرواية يجب ان تكون مطابقة للصورة كي يقبل الجمهور ويصدق , فثورة الصورة نقلت الاعلام الى مستوى اخر يتطلب مهارة اعلامية جديدة , فلو كانت الرواية الرسمية مثلا , ان المتظاهرين تجاوزوا السقوف المحمية قانونا مما استفز مشاعر رجال الامن , لكانت الرواية مقبولة ولحصلت على عطف شعبي ولربما وجدنا من يقول علنا “بستاهلوا”, فالشعارات المؤذية مرفوضة شعبيا وسياسيا ولا يقبلها احد.
الازمة في تغطية التظاهرات ازمة مهنية تنعكس سلبا على الصورة المحلية وعلى الرأي العام وتأتي الروايات الرسمية لتزيد الازمة وتصب الزيت على النار , فهي تفتقر الى ابسط قواعد المنطق الاعلامي , ناهيك عن غياب العقل السياسي الذي يدير الاخبار الاعلامية , فتصبح الصورة معكوسة وتخرج النتائج بعكس المدخلات.
قبل ايام قليلة التقى الدكتور عبدالله النسور مع نشطاء الزرقاء والرصيفة وكانت الصورة مثيرة , وتُظهر مساحة ايجابية في شكل التعاطي مع النشطاء , فلماذا الانقلاب الان على الصورة السابقة؟ وهنا السؤال الافتراضي الذي يجب ان تجيب عنه الماكينة السياسية الاردنية وليس الحديث المُرسل الذي نعتمده , والرواية التي تُظهر ان الاردن يشهد حالة صراع بين موالين ومعارضين دون التفات الى خطورة تكريس مصطلح موالٍ ومعارض.
في الرسائل الملكية الاخيرة ثمة نصوص واضحة ورسائل اكثر وضوحا عن ضرورة الحوار السياسي مع النشطاء وضرورة احترام الحوار كقيمة نهائية للتعامل مع النشطاء , والرسائل موجهة الى جميع المكونات وجميع الاطراف ولا يجوز لطرف رسمي او شعبي ان يخرج عن المضامين الملكية.
فالحوار وحده هو الكفيل بتوحيد القواعد السياسية وتظهير مساحات الاختلاف للرأي العام , وبعد ذلك يجري التعامل مع الخارج عن قانون الحوار ومنطق التوافق بأدوات قانونية يحترمها كل المجتمع الاردني , فالتقاضي هو الحل وليس العنف اللفظي او البدني.
قواعد العمل العام يجب ان نحترمها جميعا وفلسفة الاستفراد بالرأي او امتلاك الحقيقة باتت سلعة بائسة غير مقبولة وغير مرغوبة ولا مناص من التلاقي والتوافق لوطن يمر الان بعاصفة اقليمية هوجاء تضرب كل مفاصله واعصابه الحيوية.
omarkallab@yahoo.com