التعديلات الدستورية المقترحة: ماذا يعني «التلاعب»؟!
لا يجوز، بل هو خطأ فادح، أنْ توصف أي تعديلات دستورية حتى إنْ هي تلاحقت في فترات زمنية قصيرة طالما أنَّ مجلس الأمة بجناحيه هو الذي سيناقشها وهو الذي يقرر ما إذا كانت ضرورية أم غير ضرورية والمفترض أنه لا نقاش في أنَّ قرارات هذا المجلس، الأعيان والنواب معاً، تصدر باسم الشعب الأردني وتصبح سارية المفعول ولازمة التطبيق بمجرد توشيحها بالإرادة الملكية السامية.
في بريطانيا، على سبيل المثال، توجد أعراف غدت متبعة منذ مئات الأعوام لكنها تتعلق بالثوابت التي تَواصَلَ الإجماع عليها مع مرور الزمن لكن هذا جارٍ في مجتمع مُستقرٍّ يتم إستفتاؤه في كل مرة تظهر فيها مسألة خلافية كانفصال أحد أقاليم:«المملكة المتحدة» وهذا كان جرى مؤخراً عندما طالبت بعض الأحزاب الـ «سكوتلاندية» بالإنفكاك عن بريطانيا العظمى .
لكن بالنسبة لمجتمعاتنا الناشئة قياساً بعمر الزمن فإن الحاجة الشعبية والإجتماعية قد تقتضي في بعض الأحيان أكثر من تعديل دستوري في العام الواحد وربما في الشهر الواحد وصحيح أنَّه يجب وبقدر الإمكان الحفاظ على استقرار الدساتير لكن على ألاَّ تصبح هذه « القدسية» عبئاً على الحياة العامة وعلى متطلبات الدولة وعلى حاجة الشعب ومتطلبات المجتمع التي هي معيار ضرورة أو عدم ضرورة التعديلات الدستورية المطلوبة .
من المؤكد أن الذين جاء على أطراف ألسنتهم تعبير « التلاعب» ، بالنسبة للموضوع المطروح حالياً المتعلق بازدواجية «جنسية» شاغلي المواقع العليا في الدولة الأردنية ، لم يقصدوا الإساءة للذين يخالفونهم الرأي بالنسبة لهذه المسألة الهامة جداً التي يحق لكل أردني أنْ يقول رأيه فيها ، ما دام أنَّ المملكة الأردنية الهاشمية دولة ديموقراطية ، لكن وفي كل الأحوال فإن الرأي النهائي هو لمجلس الأمة بجناحية «الأعيان والنواب « لأن هذا المجلس يتخذ قراراته باسم الشعب الأردني وحقيقة أن هذا مبعث فخرٍ للأردنيين ونحن نرى كل هذا الذي يحصل ويمارس في العديد من دول العالم الثالث والعديد من الدول العربية الشقيقة .
كان مجلس الأمة قد صوت على مشروع قرارٍ، وصل إليه منْ الحكومة الأردنية الرشيدة ، ينص على منع إزدواجية «الجنسية» بالنسبة لشاغلي المناصب العليا في الدولة، رؤساء الوزارات والوزراء والأعيان والنواب وبعض المواقع السياسية الحساسة الأخرى وقد أدى هذا إلى إستقالة بعض الذوات المحترمين من مناصبهم ليس لأنهم فضلوا الجنسية الأخرى الأجنبية على الجنسية الأردنية بل لأن هناك ضرورات فعلية تستوجب احتفاظهم بهذه الجنسية الأخرى إلى جانب جنسيتهم الأردنية ويقيناً لو أن الخيار بالنسبة لهؤلاء الذين لا يحق لأي كان «المزايدة» عليهم بوطنيتهم ، كان بين إحدى الجنسيتين لاختاروا جنسيتهم الأردنية وبدون أي مراوحة وأي تردد .
الآن وبعد تجربة الفترة القصيرة الماضية تولدت قناعة واستجدت وجهة نظر بأنَّ النصَّ الحالي، الذي سيبقى ساري المفعول إلى أن يأخذ مجلس الأمة قراره النهائي بالنص البديل المقترح ويوشح بالإرادة الملكية السامية ، يحْرمُ الدولة من كفاءات أردنية هي بأشد الحاجة إليها فجاء هذا التعديل المقترح وهذا لا يجوز بأنْ يوصف بأنه «تلاعباً» حتى من قبيل إنزلاق الألسنة وهنا وفي النهاية فإنه لا بد من الإشارة إلى أنَّ هذه الصيغة المقترحة مأخوذٌ بها في كل دول الديموقراطيات العريقة ومن بينها بريطانيا حيث من حق حامل الجنسية الهندية أو الباكستانية إلى جانب جنسيته البريطانية أن يصبح وزيراً أو عضواً في البرلمان أو مجلس اللوردات البريطانيين.