.. فهم الثورة!
.. حتى بعد مائة عمان، ورغم جهد المؤرخين وشيخهم العزيز الدائم سليمان الموسى، لم تدخل تفاصيل الثورة في عروقنا.. في وعينا القومي وأخذناها كموروث نغاضب فيه ثورات العسكر، والديكتاتوريين.
– الثورة أولاً حقيقة عسكرية وقد حققت ما يلي:
1- تجميد ثلاث فرق تركية في المدينة المنورة وعسير واليمن، ومنعها من المشاركة في الحرب. وتعطيل بعثة الجنرال الألماني شتوتزنغن وقوة خيري بك العثمانية من تلغيم الساحل الشرقي للبحر الأحمر، وإنشاء قواعد في موانئها لتعطيل الامداد القادم من السودان الى الثورة. فمكة هي وادٍ غير ذي زرع، وكان الناس بحاجة الى الغذاء. وتقدر هذه القوات المجمّدة بثلاثين ألف جندي.
– تم اسر وقتل وجرح 14 ألف تركي من شهر آب 1918، وعند استسلام المدينة المنورة وقع في الأسر 10830 جنديا وضابطا. واذا اضفنا الى هؤلاء، الجنود المرابطين بين المدينة ومعان فان مجموع الأسرى لا يقل عن 40 ألف أسير.
– لقد زوّد الانجليز الثورة بالاسلحة الفردية، ويقول سليمان الموسى: إنهم ارسلوا بنادق يابانية في الشهر الأول للثورة انفجر 20% منها في ايدي المقاتلين العرب. وحتى نهاية الثورة كانت المدافع الألمانية في أيدي الأتراك أفضل، وأبعد مرمى، وأكثر من المدافع التي أرسلها الإنجليز والفرنسيين. وكانت بيد جنود مصريين، ومغاربة وعدد لا يتجاوز الخمسين ضابطاً فرنسياً وبريطانياً.
– ونعود الى «ذهب الإنجليز» الذي يقال انه وراء تجنيد القبائل العربية فالارقام تقول: إن التكلفة البريطانية من حزيران 1916 حتى 1919، كانت احد عشر مليون جنيه 10% منها ذهباً والباقي كان لشراء المؤن والأسلحة ورواتب المقاتلين. وحتى نعرف حقيقة الرقم وقيمته الشرائية. فإن الارشيف البريطاني يقول: إن نفقات بريطانيا على جيش اللنبي في جبهة سيناء وفلسطين بلغ 750 مليون جنيه.
هذه الأرقام تجعلنا نعيد النظر بحجم الدعاية المعادية البريطانية والفرنسية خلال الحرب الأولى وبعدها.. فقد كانت لتبخيس الثورة، وتبرير الانتدابات التي فرضتها على سوريا «سوريا ولبنان وفلسطين والاردن» ومزقت بها الوطن الواحد الذي كان من الطبيعي ان يعلن استقلاله في 8 اذار 1919 بعد دخول الثوار دمشق وحمص وحماة وحلب والبقاع وان تكون مملكة فيصل الرد الحازم على مؤامرة سايكس بيكو ووعد بلفور.
والتاريخ ليس قصة مشوّقة تروى انه الامس الذي كان مرسوما في عيون ابائنا واجدادنا، وهو اليوم الذي تحصد فيه امتنا ما زرعه الشر والتآمر على وطننا ووحدته، فمن اين كل هذا الدم والعذاب والتشريد إن لم يكن نتيجة للميراث الاستعماري الذي حافظنا عليه بالنواجذ وكانت كلمة سوريا الكبرى تعني الخيانة وعمالة الاستعمار؟
الادكاديمي وضابط المخابرات البريطاني هوغارت يقول في «رسائله الخاصة» تتملكني الدهشة كلما فكرت باننا سنسلم فيصل وسوريا للجنود السنغاليين (في جيش فرنسا) ونسلم فلسطين وايدينا موثقة، لن الوم العرب في اي من القطرين اذا اخرجوا بنادقهم، انني اكره مجرد التفكير بان اضع قدمي مرة اخرى في ارض عربية، يا للسماء ما اصعب الوصول الى السلام وما اسهل الاقدام على الحرب.