«هلال القاعدة الخصيب»
لم يعد أمر “القاعدة” في سوريا، موضع جدل واجتهاد.. فقد باتت المنظمة الأصولية لاعباً رئيساً في الأزمة السورية..وما كان حتى قبل بضعة أشهر، أمراً خلافياً، تستثير الإشارة إليه موجات متلاحقة من الغضب والتنديد والاتهام، بات اليوم “مُسلّمةً” من المسلمات، يتقافز الجميع لإعلان البراءة منها والتعهد بالبقاء على مسافة بعيدة عنها، بل والقول إن فكرها، لا يليق بسوريا ولا تحتمله…فجأة، تغير كل شيء.
عندما أعلنت الولايات المتحدة قبل عدة أشهر، إدراج جبهة النصرة على قائمة المنظمات الإرهابية السوداء، انبرى الشيخ الوسطي المعتدل أحمد معاذ الخطيب للقول إنه لا إرهابيين في صفوف الثورة والمعارضة المسلحة..وتنطح الشيوعي المسيحي، رئيس المجلس الوطني السوري جورج صبرا للدفاع عن النصرة و”الشهادة تحت القسم” بأن فعلاً إرهابياً لم يصدر عنها..وذهب الإخوان المسلمون السوريون بعيداً بالتنديد بالموقف الأمريكي، مشفوعاً بأغلظ الأيمان بأن النصرة ليست إرهابية، وأنه لا إرهاب أو إرهابيين في صفوف المعارضة السورية.
لم يقف الأمر عند حدود المعارضة السورية وحدها..فالتقارير تؤكد -بما لا يدع مجالاً للشك- أن أجهزة استخبارات عربية وإقليمية، وتيارات سياسية محسوبة على “معسكر الاعتدال”، تورطت من الرأس حتى أخمص القدمين بتقديم العون بمختلف أشكاله للنصرة وشقيقاتها، فتحت الحدود لها ولمقاتليها وسلاحها، وجلبت السلاح بمختلف مستوياته ودرجاته وأنواعه من ليبيا إلى سوريا عبر بوابات حدودية لم تعد خافية على أحد، ودائماً بحجة أنه “لا صوت يعلو فوق صوت إسقاط النظام”.
حتى بعض الدول الأوروبية، ومن ضمنها فرنسا التي تتصدر اليوم محاولات إدراج النصرة على “اللوائح الأممية السوداء”، كانت ماطلت وعطلت قراراً أوروبيا بفعل ذلك قبل بضعة أشهر، حين كان الهدف الأول والأخير لباريس، هو إسقاط النظام، حتى وإن تم ذلك عن طريق ضربه النصرة به وضربه بها..تماماً مثلما كان عليه الحال في أفغانستان قبل بضعة عقود إن كنتم تذكرون..يبدو أنه لا أحد يتعلم من دروس الماضي البعيد والقريب.
اليوم تعلن دولة العراق الإسلامية أن النصرة امتدادٌ لها..وأن القاعدة في العراق والشام تتوحد تحت مسمى واحد وهيكل تنظيمي واحد، فيما التقارير من لبنان تتحدث عن فرع للنصرة يجرى إنشاؤه تحت سمع وبصر خصوم النظام السوري من تيارات “حداثية وعروبية ديمقراطية معاصرة”، وبتواطئ مع جهات وأجهزة محلية وإقليمية، وقد لا يطول الوقت، قبل أن يعود المساران السوري واللبناني للتلازم من جديد، ولكن تحت راية القاعدة وبتوجيهات الظواهري، الذي تلقى قبل أيام، البيعة على السمع والطاعة من جبهة النصرة..ولن ننتظر طويلاً قبل أن تكتمل ولادة “هلال القاعدة الخصيب”.
السلفية الجهادية في الأردن تكشف عن وجود خمسمائة مقاتل أردني في سوريا، وتعلن أن عدد مقاتلي جبهة النصرة في سوريا قد جاوز الاثني عشرة ألف مقاتل..وهذا الرقم هو ضعف ما يعترف به الجيش السوري الحر، الذي قدم قبل أيام تقارير لداعميه، تقول إن عدد منتسبي النصرة لا يزيد على ستة آلاف مقاتل..وهي معلومات تكذّب على نحو صادم، ما سبق لأطراف مختلفة من المعارضة أن تحدثت به، عندما كانت تنزع لتجاهل النفوذ المتزايد للنصرة، أو تقلل من شأنه في أحسن الأحوال.
حتى النظام السوري ذاته، لا يستطيع أن يتنصل من مسؤوليته عن الدور المتنامي للنصرة والسلفية الجهادية في بلاده..فهو أول من فتح لها الأبواب وطرق النقل والإمداد، عندما كان بحاجة لها بتنفيذ بعض فصول أجندته في العراق..والقاعدة التي تجد اليوم في شمال وشمال شرق سوريا، بيئة خصبة وحاضنة صلبة لها، ليست نبتاً شيطانياً في هذه المنطقة، فقد سبق لها أن “مرت من هناك” قبل أن تستقر في تلك المناطق، وحتى إشعار آخر.
خلاصة القول ما قاله البطريرك بشارة الراعي للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قبل يومين: الأسد ليس أسوأ من بعض من يحاربونه.