حرب «الإخوان» .. على «الجميع»
في مصر، يبدو “الإخوان” في حرب على “الجميع”..معركة على جبهة القضاء و”النائب العام” و”المحكمة الدستورية”..معركة ضد الإعلام والصحفيين ومقدمي البرامج ومحطات التلفزة وصحف المعارضة وكتاب الأعمدة و”باسم يوسف”..معركة ضد أقباط مصر ومسيحييها، صمت مريب على ثقافة الكراهية وحرق الكنائس..حرب على مشيخة الأزهر، ومعارك ضروس ضد الشيخ وتلامتذه وأتباعه..حرب على المجتمع المدني ومنظمات المرأة..حرب على السينما والدراما والرقص الشرقي والسياحة ومدينة الانتاج الإعلامي..حرب على المجتمع المدني الذي صار مشبوهاً ومرتبطاً بأجندات خارجية..ومن قبل ومن بعد، حربٌ على المعارضة بمختلف أطيافها وتلاوينها، من بقايا النظام البائد، مروراً بالتيارات الناصرية والقومية واليسارية، عطفاً على الليبراليين والعلمانيين، وليس انتهاءً ببعض تيارات السلفية التي شقت عصا التحالف مع “الإخوان”.
كل هذا في العلن وعلى رؤوس الأشهاد…أما في السر (وما يخفى) فحربٌ ضروس مع المؤسسة العسكرية التي تأبى “الأخونة” وانتشار “الميليشيات المسلحة”، وتجاهد لـ”فك ارتباط” أمن سيناء بأمن قطاع غزة..وحرب على المخابرات العامة، التي يزعم “الإخوان”، بأنها تقود ميليشيا من 80 ألف بلطجي، تعيث فساداً في الأرض والسماء.
حصيلة هذه الحروب متعددة الجبهات والأعداء والمسارات، أن مصر تنزلق من سيىء إلى أسوأ..أزمات متراكبة واحدة فوق الأخرى..تخرج من مشكلة لتقع في أصعب منها..عنف في الشوارع..دماء على الأرصفة..غلاء يحرق قوت المواطن..خزينة تكاد تشهر إفلاسها..اقتصاد يترنح تحت ضغط العجز والمديونية والبطالة والفقر والتهميش..شروط مذّلة لصندوق النقد الدولي..أزمة محروقات..ازمة رغيف العيش..أزمة دجاج..أزمة اسطوانة الغاز..ازمة فقدان الأمن والأمان..ازمات الانقسامات المجتمعية التي تتدحرج ككرة الثلج.
كل هذه الكوارث، لم تقنع لا الرئيس مرسي ولا جماعة الإخوان، بوقفة مراجعة مع الذات..كل هذا الفشل لم يدفعهم للبحث عن أسبابه في “دواخلهم”..دائما هناك متهم من خارج الإخوان المسلمين..دائما هناك عدو متربص..تارة “الفلول” وأخرى “العلمانيون” لعنهم الله..وثالثة “أصابع” خارجية (كلمة أصبع باتت مادة مثيرة للسخرية والتندر لفرط استخدامها من قبل الرئيس)..وتارة رابعة حاقدون وجاحدون و”أعداء الله” و”أعداء الإسلام” وأعداء النهضة”، إلى غير ما في “الجعبة يا حاوي”.
لم يكتشف “الإخوان” حتى الآن، وربما لن يكتشفوا ذلك قبل خراب البصرة والقاهرة وبورسعيد، بأن الأزمة فيهم..وأنهم نجحوا في وقت قياسي في فض الناس من حولهم، وخسروا ثقتهم، بمن فيهم أولئك الذين صوتوا لمرشحيهم، سواء حباً بهم أو كرها بمنافسيهم…أطلقوا الوعود و”لحسوها”..أبرموا المواثيق ونكثوا بها..تفردوا بالسلطة ودعوا الآخرين للانضمام إلى مائدة “شهود الزور”.
ظنّوا (أو أرادوا لنا أن نظن) بأن الإسلام هو الحل..ثبت أن هذا شعار دعائي، أعجز من أن يجيب عن أسئلة المصريين واحتياجاتهم..لا يغني ولا يسمن من جوع..فالحل الحقيقي بات عند مرسي وقنديل في يد صندوق النقد الدولي، والترياق يأتي من واشنطن لا من القاهرة ومكة والدوحة..لا برامج لديهم ولا رؤى ولا كادرات قادرة على قيادة المرحلة والنهوض بأعبائها..هم لا يريدون الانفتاح على الآخر، ولكنهم في الوقت ذاته، فاقدون للقدرة والكفاءة والرؤية والاستعداد..لكأنه يتعين على 90 مليون مصري، أن يكظموا غيظهم، ويشدوا الأحزمة على البطون الخاوية، حتى يفرغ “الإخوان”، من تدريب الكوادر وبناء الرؤى ووضع البرامج، وتجريب المجرب، ومن ثم يتعين استلال سيف الإعجاز فيضربوا به الصخر، فتتفجر ينابيع اللبن والعسل.
كل شيء معلق على مشجب المؤامرة..لكن أحداً لا يرشدنا إلى كنه هذه المؤامرة أو هوية المتآمرين..لا أحد يعرض علينا دليل عمل الإخوان لمواجهة المؤامرة والمتآمرين..هم “الجماعة الناجية” أما الآخرون فإما متربصون أو فاسدون ومفسدون، أو علمانيون مارقون..هم الزاهدون (هي لله..هي لله)، أما الآخرون فيلهثون خلف “السلطة والجاه”.
كل يوم يمضي على الإخوان في الحكم، يخسرون فيه شريحة من مؤيديهم والمتعاطفين معهم والواقفين على مقاعد الفرجة والحيدة..كل يوم يمضي على هؤلاء في الحكم، يتراجع المشروع الديمقراطي في مصر خطوة للوراء..كل يمضي على تجربة “الإخوان” في الحكم، تخسر الجماعة في أربع أرجاء العالمين العربي والإسلامي، بعضاً من رصيدها، حتى أن هذا الرصيد يكاد ينفد، ولم يعد من متسع سوى لمكالمة طوارئ واحدة، لا اكثر ولا أقل