«أخْوَنة الإخوان»!
هناك في عالم التقنية ما يسمى بتحديثات البرامج، حيث تخرج في نسختها الأولى تحمل ملامح وخيارات معينة، ومع التطبيق تبرز بعض العيوب فيصار إلى معالجتها عبر تحديثات متوالية، وربما يكون التحديث ليس لمعالجة أخطاء فقط او سد ثغرات، بل لإضافة تحسينات وخدمات أخرى تقتضيها الحاجة والضرورة، هذه المقاربة تصلح للاستدلال في ما تحتاجه الجماعات والدعوات وحتى الدول والأشخاص، من حين لآخر، لمراجعة المسير وتصويبه وتجويده، وهذا الأمر ينطبق على جماعة الإخوان كما ينطبق على غيرها، خاصة وهي تجتاز مرحلة الاستضعاف إلى التمكين.
يؤخذ على «الإخوان» كثيرا الآن، انهم يسعون إلى «أخونة» المجتمع والدولة والمؤسسات، والصحيح أن هذا الاتهام له حظ ولو كان ضئيلا من الصحة، وأستعمل هنا كلمة «ضئيل» لأنني أعنيها تماما، لأن «الإخوان» اليوم هم أكثر الجهات حاجة لـ»الأخونة»، وهم ليس بوسعهم «أخونة» أحد أو جهة قبل «أخونتهم» هم أنفسهم، خاصة وان ثمة دلائل كثيرة على ابتعادهم عن النهج الأصيل للدعوة التي وضع أسسها الإمام الشهيد حسن البنا وتلامذته الأول الذين عايشوه وتشربوا فكره، وتربوا على يديه، أو اقتدوا به.
ربما يكون تعبير «التكويش» أو الاستئثار بكعكة السلطة هو التعبير الأكثر قربا لما يجري الآن، خاصة في مصر وتونس على وجه التحديد، وإن تباينت نسبة التكويش بين البلدين، وهذا التعبير وحتى ولو كان فيه شيء من القسوة على الجماعة، إلا ان له ما يبرره أحيانا، وليس ادل على ذلك من اختلاف «الإخوان» مع «إخوان» الأمس الذين شقوا طريقهم خارج الجماعة، أو تنافسوا معها على فعل الخير ولكن تحت لواء غير لواء الجماعة، كالجماعات السلفية وغيرها من الجماعات الإسلامية، فضلا عن الشخصيات التي تركت الجماعة وأسست أطرها الخاصة بها، كالأحزاب الإسلامية من غير «الإخوان»، نقول كل هذا وفي ذهننا قائمة طويلة من معالم فكر الإمام البنا يناقض ويغاير كل ما تجترحه الجماعة في مصر وغيرها الآن، مما يحعل المرء يقول وبشكل مطمئن أن اكثر الجهات حاجة لـ»الأخونة» هم «الإخوان» انفسهم، ويكفي لأي طالب علم أو مبتدىء في علم الحاسوب ان يبحث عن عناوين معينة مثل: حسن البنا والتعامل مع الآخر، أو الإمام البنا وشركاء الوطن، ليقرأ خلاصة ما خطه البنا في هذا الأمر ويقارنه بما يفعله «إخوان» اليوم، ليعرف مدى الحاجة الماسة للإخوان المسلمين لإصدار نسخة محدثة مزيدة ومنقحة عن الجماعة القائمة، نسخة جديدة «تتأخون» بحق، وفق رؤية شيخ الجماعة ومؤسسها والمقربين منه، فرارا واتقاء من أن يقع «الإخوان» (أو بعضهم على الأقل) في ما وقعت فيه فئة منهم، يعرفهم «الإخوان» جيدا، فدفعت الإمام المؤسس لكتابة بيانه الشهير الذي اطلق فيه مقولته التاريخية: ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين!.
hilmias@gmail.com