عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

مُصالحة اجتماعية!

يحسب البعض ان ما نراه من عصبية وعنف في جامعاتنا أو برلماننا، أو حتى في شوارعنا، هو كل المشهد، كلا، الصورة أكثر عمقا مما تبدو بكثير، فتلك المشاهد هي ما تطفو على السطح، أما ما لا يُرى فهو اكثر مأساوية بكثير!

ويحسب البعض ايضا، أننا دون بقية المجتمعات، نتميز بالعصبية والعنف، وهذا ايضا غير صحيح، فما نشهده من «كمية» العنف إذا ما قيس بعدد السكان، لا يكاد يساوي شيئا مع مظاهر العنف والإجرام التي تشهدها المجتمعات المعاصرة، وحتى تلك المجتمعات القديمة، الموغلة في التاريخ، فحياة البشر كلها كتبت بالدم!

وكي لا تتسع الرؤية أكثر فأكثر فيضيع الكلام، دعونا نلقي ضوءا مكثفا على بيوتنا، وراء الأبواب المغلقة، فالعنف الذي تعيشه كثير من الأسر، يفوق بشراسته وكميته ما يبدو على السطح، ولكن لا يدري عنه الإعلام، ولا تصل أخباره إلى مسامع البشر، وقد قيل أن البيوت اسرار، ومن هذه الأسرار ما يشيب شعر الرأس، ولئن كانت الأمة على مستوى قادتها وأنظمتها، وفصائلها السياسية بحاجة إلى «مصالحات» فأسرنا أكثر حاجة لعقد اتفاقات السلام والمصالحة، لأن بعضها يعيش مآسي مدمرة، تشوه حياة الأبناء، وتقلبها إلى سلسلة متصلة من الآلام والمآسي!

تخيلوا معي مثلا، أن تشتاق صبية يافعة للمسة حنان من أبيها، فتحلم بقبلة على جبينها، او سؤال عن احوالها؟ وتلك ابسط حقوق الأبناء على الآباء، ولكن بعضهم لا يفعلها بل يحيل البيت إلى ساحة نزال وخصام، فيضرب الأم، ويضطهد البنات، ويقتر عليهن بالمال، وقد اعطاه الله سعة من الرزق، فتبلغ به الحال أن يفتتح لكل ولد أو بنت سجلا يدون فيه المصروفات التي أوجب الله عليه القيام بها!

وتخيلوا معي ايضا، كيف تكون حياة اسرة، لا يخلو يومها من مشاحنات يومية على أتفه الأسباب، واقلها شأنا، ترى.. أي شخصية تلك التي تنشأ في جو كهذا؟ هل ستخرج إلى المجتمع بفعل سوي؟ أم أنها ستنقل تشوهاتها إلى الجامعة وإلى الشارع والبرلمان؟

نعيش هذه الأيام لحظات عصيبة، لسبب جوهري، وهو افتقادنا للقدوة، أو البطل الملهم، فالأمة في حالة يُتْمٍ، بعضنا يجد بطله في لاعب كرة قدم، أو فريق اجنبي، وآخرون يرون في مطرب أو فنان أو مسلسل، مصدرا للإلهام، وفئة ثالثة، ترى في شيخ أو داعية أو أستاذ مدرسة «قدوة» حسنة، لتكتشف أنه خيب ظنها في هذا الموقف أو ذاك، ولئن أضفنا إلى هذا، تآكل صورة المسؤول الرسمي، وتحوله إلى شخصية مسخ، أو متهم دائم بالفساد، ندرك أن الجيل الناشىء يتحرك بلا بوصلة فتراه يصطدم بالآخرين، وتحصل المشاحنات التي قد تصل حد إسالة الدم!

الخطوة الأولى لحل هذا المشكل، التصالح مع الذات أولا، لأننا نعيش حالة انشقاق ذاتي، قبل أن يكون سياسيا، أو فصائليا، إن تصالحنا مع ذواتنا، من الممكن أن نكون مستعدين للتصالح مع الآخرين، سواء داخل الأسرة أو المدرسة او الجامعة أو الشارع أو مكان العمل!

hilmias@gmail.com