نأخذ المطعوم أم لا؟ سؤال مُخجل وخطير
كتب: حسين الرواشدة
تصوّر أن في بلدنا «حملة وطنية ضد مطعوم الحصبة»، انضم اليها آلاف المواطنين، تصور، أيضا، أن رئيس لجنة الصحة النيابية أكد أنه لن يعطي أطفاله المطعوم، فحظي بالتصفيق، تصور ثالثا، أن شريطا مسجلا باسم رئيس جمعية المهندسين الوراثيين، يُحذر من خطر استخدام المطعوم، بذريعة أنه يحول الأطفال إلى «مثليين»، انتشر كالنيران بالهشيم، السؤال :لماذا يُصدّق اغلبية الأردنيين هذه الدعوات، ولماذا يتصورون أن دولتهم، وليس حكومتهم فقط، تُضمر لهم الأذى والشرور؟
لكي أفرد الموضوع بهدوء، سأتجاوز مسألتين مهمتين، الأولى: المناكفات السياسية التي طفت على السطح بين النخب السياسية، هذه التي وظّفت المطعوم، كما سبق ووظفت غيره، لتصفية حساباتها، و إضافة ما يمكن من رصيد لها لدى الشارع، هذا الصراع كان واضحا في الجلسة التي عقدتها لجنة الصحة النيابية مؤخرا، ثم ما تلاها من تصريحات على وسائل الإعلام، أما المسألة الثانية فتتعلق بالصراعات التجارية بين أقطاب « بزنس الدواء «، هذه التي تخوض حروبها لاقتناص عطاء، أو حرمان شركة أخرى منه، كل ذلك دون أي اعتبار لصحة الأردنيين، وسلامة مجتمعهم.
لكي نفهم ما حدث، بدأ برنامج التطعيم الوطني في بلدنا العام 1979، لم يعترض عليه أحد آنذاك، وقد سجلت نسبة المناعة الوطنية ضد مرض الحصبة تحديدا، نحو 98%، (تراجعت بعد كورونا إلى 80% )، وخلال الأعوام المنصرفة تم تسجيل 163 حالة، مما استدعى إطلاق حملة التطعيم، وبالتزامن معها انطلقت حملة التشكيك بالمطاعيم التي تقدمها الحكومة، علما انها (حملة التشكيك) برزت لأول مرة حين تم توزيع حبة «فيتامين» على طلبة المدارس لتحسين صحتهم الغذائية (2003 )، ثم تكررت بزخم أكبر مع جائحة كورونا (2020 )، حيث تبين أن نحو 40% ممن سجلوا على منصة التطعيم عزفوا عن أخذه.
حالة التمنّع والتشكيك بالمطعوم، تكشف عن حالة المجتمع أولا، وعن علاقته مع إدارات الدولة ثانيا، كما تكشف عن الهوة بين التعليم والوعي، وبين العلم والثقافة، حين ندقق بحالة المجتمع نجد أن الرأي العام يتعرض لموجات من الزخم الإعلامي، أورثته مزيدا من الاضطراب في المزاج، و ولدت لديه ثقافة الخوف من المجهول، حين ندقق بعلاقة المجتمع مع الادارات العامة، نجد أن عنوان هذه العلاقة هو «افتقاد الثقة»، الأردنيون لا يثقون بما تقوله أو تفعله حكوماتهم، حتى لو كان ذلك يصب في مصلحتهم، أما حين ندقق بثقافة المجتمع، فسنجد أنها مرهونة لمنظومة من الأساطير والتخيلات التي رسخت فيها عقلية المؤامرة.
كما غابت النخبة السياسية التي تمثل المجتمع عند الأزمات التي مر بها، غابت النخب الطبية التي تمثل أصوات الحكمة والعقلانية عندما أثير الجدل حول المطعوم، هذه مفارقة مفهومة، لكن يكفي أن نتذكر أن انتصار حملة التشكيك سيحرم نحو 1.2 مليون مواطن من المناعة ضد الحصبة، وأن انتشار هذا الوباء -لا سمح الله- سيغرق المجتمع بمرض سريع الانتشار، يكفي أن نتذكر، ايضا، أن معظم ما قيل عن مصدر المطعوم، وعدم مأمونيته واعتماده، استند إلى معلومات غير صحيحة وناقصة، وأن ثمة معلومات أخرى صحيحة، أكدتها جهات طبية محترمة، ضاعت في الطريق، يكفي أن نتذكر، ثالثا، أن مقولة «مؤامرة على أبنائنا»، لا تستقيم مع المنطق، أي منطق، إذ لو أرادت الحكومة، أي حكومة، أن تفعل ذلك، لوجدت ألف وسيلة، واستهدفت، مثلا، مراجعي المراكز الحكومية (عددهم نحو 3,5 مليون مراجع)، وليس أطفال المدارس فقط.
نأخذ المطعوم أم لا ؟ هذا سؤال مخجل لا يجوز أن يتردد في نقاشاتنا العامة، لأنه لا يخطر على بال عاقل أن يختلف الناس حول مواجهة وباء يمكن أن يهدد صحتهم وأعمارهم، وهو مخجل، أيضا، لأن المسافة بين إدارات الدولة والمجتمع اتسعت كثيرا، لدرجة أن أغلبية الناس أصبحوا لا يتورعون عن اتهام المسؤولين عن إدارة شؤونهم بمحاولة إلحاق الضرر بهم، وربما الإجهاز عليهم، وهو سؤال خطير، أيضا، لأنه لا يتعلق -فقط – بمطعوم، وإنما قد يمتد إلى قضايا أكبر، ينقسم عليها المجتمع إلى فسطاطين: مشككين ومصدقين، انقسام المجتمع هو اسوأ وصفة لمواجهة الخطر، أي خطر