0020
0020
previous arrow
next arrow

د.يوسف العجلوني يكتب .. أنا مش أنا

كتب. د.يوسف العجلوني

من الطبيعي أن لا يكون لكل فرد نفس القدرة على التحمل أو النضوج الفكري اللازم لمتابعة الطريق. والإنسان نفسه هو من يقرر دوره في الحياة اعتماداً على النشأة والتربية وكيفية المعيشة.

الإنسان لديه الكثير من الخيارات لإكمال مسيرته في هذه الحياة؛ فهنالك من يكون له نهج واضح في كل شيء، ويرسم خارطة الطريق التي تراعي جميع تحركاته، ويستخدم بوصلة لتحديد المكان والإتجاهات في كل مرحلة يمر بها، وهذا النوع من الناس قادرٌ على تحقيق أهدافه في الحياة بسهولة ويسر. وهنالك من يدير ظهره للواقع الذي يعيشه دون اكثراث، ويدعي الإنشغال، ويعزي فشله وأخطائه لسوء الظروف، وعنده تبرير لكل تصرف، ويعيش حالة من الضياع. وهنالك من تكون تصرفاته بناءً على رغباته ونزواته الطائشة، فهو يعيش لإشباع رغباته الخاصة، ويهتم فقط في اغتنام الفرص. أفكاره خالية ومفرغة من مضمونها، وأسهل طريق عنده هو الإستسلام والذل، ومثل هذا سوف يبقى يتخبط ولا يعرف ماذا يريد، هو فقد البوصلة وأصبح لا يعرف المشرق من المغرب، هو ضائع، ولكنه مقتنع أنه يسير في الطريق الصحيح، وهنا تكون المصيبة أعظم.

الشعور بالضياع شعور صعب، من الممكن أن يعيشه معظم الناس في أوقات معينة، كما أن هناك ظروف اجتماعية أو مهنية تجبر البعض على تصرفات من الصعب فهمها. الإحساس بالضياع ممكن أن يجعلك تعيش وحيداً،حتى وأنت بين الكثير من الناس، شعور يبعدك عن الإستقرار، لا ترى ولا تسمع، وقد ترى وتسمع ولكن لا تفهم، شعور بالرهبة والفتور والملل، سعي في الحياة دون إنجاز، وإنجاز دون جدوى، حياة بلا طعم ولا روح، برودٌ في كل شيء. أين البداية وما هي النهاية؟ ماذا يحدث؟ هل أنا سعيد أم تعيس؟ ناجح أم فاشل؟ ما هي أهدافي؟ هل انتهت كل الفرص المتاحة لي؟ هل وصلت متأخراً؟ ماذا أفعل؟ أين الصواب وأين الخطأ ؟ أشعر بأنني واقفٌ على أرض تتحرك، أين ومتى الثبات؟ من انا؟ ماذا أريد؟ أين انا؟ أنا مش أنا.

الإنسان عندما يعيش من أجل أن يرضي الآخرين ضياع، وعدم وجود مبدأ ضياع، وعدم احترام القيم الوطنية ضياع، وعدم وجود هدف محدد يعيش من أجله الإنسان ضياع، والعيش بدون فكر ضياع، والشخصية الضعيفة ضياع، والوجود بدون هوية ضياع، والعيش بدون عاطفة ضياع، وعدم تحديد الرأي ضياع، وتأييد جميع الأطراف ضياع، والشعور بالفشل ضياع، والخوف من كل خطوة ضياع، والعيش في الماضي ضياع، والحياة بدون طموحات ضياع.

إنسان يعيش دون حماس أو شغف لفعل أي شيء، يعمل من أجل أن يوفر المال فقط، غارق في بحر الضغوطات والمشاكل، لا يعرف أولوياته، فقد ثقته بنفسه، لا يحب المحاولة ولا المغامرة، لا يشعر بالرضا عن حياته وواقعه، فقد القدرة على التخطيط، غريب في بيته ومع أهله، يجري به الزمن دون أن يتقدم خطوة، لا يستطيع أن يفهم شعور الآخرين ولا حتى نفسه.

الصدمات تتكرر، هنالك حزن وألم، هم وغمّ، تشعر أحياناً أن الحياة انتهت. هل أُنهكت قواك؟ وهل أنت غير مرتاح في وظيفتك؟ هل خسرت صديقاً أو مالاً؟ هل تضعضع وجودك في بيتك كأب أو كأم؟ هل خسرت شيئاً في نفسك لا تعرف ما هو؟ أنت لست وحدك من تراوده تلك المشاعر، هذه هي الحياة؛ فكلّنا نمر بشعور صعب وقاسٍ، وفيه ضياع في بعض الأحيان، لا تحكم على حياتك بالقسوة والظلمة والتشاؤم، وهذا لا يعني أنّ كل شيء قد انتهى، الحياة مستمرة مهما حدث، سوف تجد ضالتك مادمت تريد ذلك، وغالباً ما تعود المياه لمجاريها، أنت فقط تمر بنفق معتم لفترة محدودة، هذه المرحلة وهذا الوقت سيمضي، اخرج وابتعد عن الخمول والكسل واليأس والإكتئاب، وإلا سوف تبقى في زاوية سيئة ضيقة معتمة، لن تجد فيها إلا الألم والمعاناة، ولن تستطع الإستمرار معها طويلاً.

الذكاء قوة وعزة وعلو، ولكن له ضريبة قد تُكَلفُنا الكثير من المواقف، وتخسرنا أحاسيسَ وأجواء وعواطف لا يعوضها الذكاء، ففي بعض الأوقات، من الحكمة والحنكة والعقل أَنْ تستخدم ذكائك وتتظاهر بالغباء بإتقان، وهنا تصل إلى مرحلة من الدهاء، الذي يتم استثماره بشكلٍ إيجابي في أطراف الحياة لتجاوز العراقيل والخلافات، وتستطيع أن تمتص الغضب، وتمنع الحقد، وتقلل من الناقمين والماكرين، كي تتمكن من الظروف والحياة، وتعيش بسهولة أكثر وأمان وراحة بال وسعادة.

أن تظهر للآخرين أنهم أكثر ذكاءً منك، يعطيك أحياناً فرصة لأن تستمتع بغبائهم، وبنفس الوقت يقلل من هجومهم عليك، ويعطيك مجالاً أكبر لكسب الوقت والعيش بحرية، وتكون صاحب القرار، لأن ممارسة الاستغباء من شأنه أن يخلصك من الأشخاص الذين لا ترغب بالتعامل معهم، ويَعفيك من تكاليف وواجبات تستنزف وقتك وجهدك ومالك وشعورك وراحتك، ويضمن استمرار العلاقات بطريقة سهلة ومريحة، ويُمَكّنك من تجاوز المشاكل والأشياء التي قد تكون أساساً لخلافات من الممكن أن تُهدد حياتك في كل المجالات.

أن تكون ذكياً فذلك شي جميل، ولكن أن تصل لمستوى الدهاء فذلك حال لا يصل إليه إلا القليل من الناس الأذكياء، وهناك خلاف :هل الدهاء شيء جيد أم لا؟ أنا أقول أن الدهاء جيد ورائع وحميد إذا كان مقترناُ بالمبادىء، ويُستخدم للخير والنصر في معارك الحياة ومع الأعداء، ويكون غير محبب عندما يُستخدم للشر وإلحاق الأذى بالآخرين، وكذلك شأن الذكاء؛ فهو ليس في كل الأوقات جيد، فذكاؤك أحياناً يجعلك تفهم أموراً ممكن أن تخسر معها بعض الناس، أو تخسر نفسك بسبب تصرف قد يعود عليك بالشر إذا مااستخدمت ذكائك فقط.

الذكاء هو الاستيعاب والفهم، والفطنة، وسرعة البديهة، وحسن التصرف، وقوة الملاحظة، والاستنتاج، والانتباه، والتحليل، والتفكير بمنطق، والتأقلم. أما الدهاء فهو الوصول إلى الهدف بذكاء مع حساب دقائق الأمور، وكثرة الحيلة، وقوة الفطنة، واستغلال الفرص، واستخدام الغفلة والغرة، وسرعة البديهة، والقدرة على تغيير الشخصية والمواقف حسب ما يحتاجه الأمر، والقدرة على الإقناع، والتخطيط للحاضر والقادم، والقدرة على مقاربة الناس في عقولهم لكسب المواقف حالاً أو بعد حين.

الذكي يحاول أن يقنع الداهية بالأصول والمنطق، ويعتقد أنه اقتنع بذلك، ويظهر على الداهية أنه اقتنع بما قاله الذكي، ولكن بمرور الأيام يكتشف الذكي أنه خسر أشياءً، لأن الداهية أظهر له الإقتناع، وأخذ ما يريده منه، وترك صاحب الذكاء لذكاءه ليعرف النتائج. وهذا يثبت أن كل داهية هو إنسان ذكي، ولكن ليس كل ذكي إنسان داهية.

عندما نكبر نفهم ما حولنا بشكل أفضل، ويكون لنا فكر واضح ورؤى جلية. الحياة تبدو لنا أجمل، لا داعي للمسؤوليات والهموم، لا يوجد التزامات. فلا مانع من الخسارة أحياناً التي قد تريح البال وتقضي على الكثير من الأعباء والجهود الكبيرة. إن السعي وراء أشياء في بعض المرات غباء؛ حيث أنك سوف تفقد من حياتك وجهدك ومالك أكثر مما يستحقه كسب تلك الأشياء. استعد دائماً للقادم، واجعل الخطة جاهزة لأي تغيير، أنت الآن تمتلك خبرة وتجارب وكفاءة تستطيع أن تستخدمها في كل مكان، لا داعي أبداً للخوف والتردد، لا أحد يمنحك الرزق أو الحياة إلا الله، لست مضطراً للتبرير والأعذار، واعلم أن هنالك دائماً وقت وأمل، الظروف كما تستغلها أنت، والأيام كما توجهها أنت، وحياتك تتغير كما أنت تحب وترضى، ما لك هو لك، وما ليس لك لن يكون لك ولن تحصل عليه، وإذا حصلت عليه فلن يستحق معاناتك.

رتب أحلامك، وجدد الرغبة بالإنطلاق، ‘الحياة حلوة بس نفهمها’، النجاح موجود ويحتاج لجهد وهدف، استَعِد قوتك فهي تعطيك الحافز للخروج من النفق، النصر جميل ويجدد كل شيء، وينهي شعورك بالضياع. الأصدقاء و الأقارب الجيدون والعائلة الأولى ليس منهم خلاص، وهم من يبقوا معك، ويجعلوك تجد نفسك وسعادتك.

أنت تملك قوة داخلية جبارة تخرج منك إذا عزمت على إيجادها، لتعيش من خلالها الحياة مهما كانت، إسعَ وستجد الطريق المقمر، ولا بد أن يطلع النهار وتحصل على الأجوبة التي طالما كنت تبحث عنها، ويسهل المسير، ويكون المشوار سالكاً وجميلاً، أنت تحتاج لصفاء الذهن والتركيز، ومن ثم القرار.

الله دائماً معنا ويبعث لنا فرصاً وأشخاصاً تضيء لنا دائرة الأمل، النظرة الإيجابية والمحبة تنهي كل القلق، وتجعلك تشعر بالأمان، حديث قصير مع من تحب يعيد لك كل شيء، استفد من تجاربك السابقة وتجاربهم، وتسلح بالصبر والأمل والتفاؤل، وسوف ترى كيف تُخرِج نفسك من ضياعها.

هل وصلت إلى مرحلة تجعلك لا تعرف ماذا تفعل؟ هل تنسى الكثير من الاشياء؟ شعور غير مفسر، ليس لديك إلا أن لا تفكر بما يحدث؛ الحياة لها مرها وحلوها، مستمرة، هل الجهل نعمة؟ لماذا هذا النوم المتقطع؟ قد تمر بك ليال من السهر والتفكير، وفي القلب الكثير، وتراك تقول: أريد أن أنام، متى يأتي الصباح؟ تحاول النوم ولا تستطيع، وقبل أن تغمض عينيك، تتسائل إذا ما كانت هذه الحياة تستحق كل هذا العناء؟ لماذا لا أستمتع بنوم جيد؟ حتى وأنا نائم لست نائماً، وما ان تنام واذا بك تصحى، هل هي فرحة الصباح ام عدم القدرة على النوم؟ لا بنام ولا بصحى، لماذا ينتابني هذا الشعور؟ هنالك الكثير من الأحلام التي تقتحم نومي، وأخير يأتي الصباح.

الواقع الحقيقي مختلف وله عدة ألوان، هل الذي بقي هو فقط الأبيض والأسود؟ عندما ينتابك شعور الضياع، فالنجاح في العمل يُحدث فرقاً، والعاطفة تُحدث فرقاً، فلا بأس أن تتراجع وتأخذ بعض الوقت لتسأل نفسك بعض الأسئلة السرية التي تجاهلتها لأنك كنت لا تحب أن تسمع أو تعرف الجواب: هل هنالك حل؟ هل لديك خيار آخر؟ هل الحياة غير عادلة؟ وهل أنت فعلاً تشعر بالضياع؟ وهل حقاً لا تعرف ماذا تفعل؟ وهل أنت عاجز؟ أنت الآن لديك خياران: إما الإستسلام أو محاولة المضي قدماً، وتأكد أنها تجربة من الأفضل أن تخوضها. المراوغة مع نفسك ليست حلاً، لا تجعل الظروف تتحكم بك، استمع لجميع الآراء ولا تنسى نفسك، فلها عليك حق، ولا بد أن يكون لك موقف وقرار.

إذا كان قد عجبك الضياع فهذا خيارك، وممكن أن يكون أريح لك، لأنك لم تكن ناجحاً في استخدام قدراتك، ويعجبك أن تكون في مهب الريح، وممكن أن تُقنع نفسك أن هذا قدرك، ولكن هل فكرت يوماً أن تتخلص من هذا الضياع؟ فلا زالت لديك الفرصة للخروج. يجب أن تعرف وتعترف أنك في مرحلة من الضياع، وعليك تحديد الأخطاء. يجب أن تتخلص من العادات والأعمال التي لا تعود عليك بالفائدة. تجنب تمثيل دور الضحية، وتذكر المواقف التي سببت لكَ آلاماً، ولا تسمح للمشاعر السلبية بالسيطرة عليك، واطوِ صفحة الماضي وامضِ. عود نفسك على القدرة على تقبل الوحدة واعتزال الناس ضمن الأصول والمنطق، وتعلم كيف تكون وحيداً وسعيداً ومكتفياً. إذا احتجت لدعم، إستند إلى شخصيات تُقدرها وتعتبرها قدوة، أشخاص يكونون مراجع لتحديد درجة الضياع ويرسمون لك الطريق الصحيح والأسهل للعودة بأمان. اكتسب قدر ما تستطيع من المعرفة ومخالطة أهل العلم، فذلك يجعلك أكثر قوةً وثباتاً وقناعةً. طور نفسك وتعلم مهارات جديدة، فذلك سيفتح لك طرقاً وأبواباً لم تكن تعلم بوجودها.

وفي النهاية تذكر أنكَ لا تحتاج إلى درجة عالية من العلم، ولا عائلة كبيرة، ولا عدد كبير من الأحباء، ولا تلك الإنجازات العظيمة، ولا ذلك المبلغ الكبير من المال، حتى تجد نفسك وتتخلص من الضياع، يكفي أن تنوي وتستخدم عقلك وتبذل الجهد اللازم، وتستمتع بشعورك وعاطفتك، وتكون راضياً ومقتنعاً بما قسم الله لك، ومن هنا يبدأ المشوار، وإذا لم تستطع إدارة نفسك وظروفك ولايوجد لديك قرار، فليس لك إلا أن تكون في مضمار الضياع، وقد تشعر بالراحة أو بعدمها مع هذا الحال، وهذا يعني أن الضياع هو قدرك، وسيكون الأفضل لك أن لا تقرأ مثل هذا المقال.