هرولة السفراء إلى العبدلي
بات واضحاً أن الأزمة السورية فوق تداعياتها الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ باتت حاضرة في الأردن. و ما شهدناه قبل أيام في مجلس النواب من فتح للملف السوري بكل فصوله دليل على أن الازمة السورية أصبحت داخلية ايضاً، بعد ان كانت اقليمية.
النواب شنوا هجوماً كاسحاً ضد القمة العربية، وضد سيناريو المؤامرة المقبلة والحرب المتوقعة، والقصة لم تعد قصة ثورة شعبية،إذ اتضحت المؤامرة، بعد ان باتت سورية ملعبا لكل الأجهزة الأمنية. وعواصم العالم في صراع اقليمي ودولي على الساحة السورية.
هذا الصراع الاقليمي والدولي في سورية أدى إلى تدمير الحاضنة الأبرز عربيا، أي الشام على كل المستويات،وللعرب ثلاث حاضنات تاريخية مصر والعراق والشام، و كلها تم تدميرها بعناوين مختلفة، وهاهي المنطقة هشة معزولة رخوة يتيمة بلا اباء.
لم تعد الثورة السورية تلك العفيفة الشعبية كما بداياتها،إذ ان كل فصيل يعمل مع جهاز امني وعاصمة وممول،ولا ننكر هنا وجود ثوار شرفاء اطهار حتى لا نأخذ الجميع تحت اقدام الاتهام.
كلنا يعرف ان اجهزة المخابرات الإسرائيلية والامريكية والتركية والفرنسية والصينية والروسية والالمانية والايرانية وبعض الأجهزة العربية تقتتل في الساحة السورية، عبر الدوبلير السوري.
مشهد معقد، لايبرئ أيضا النظام من ممارساته وسوء ادارته للازمة وتورطه في الدم أيضا، وعناده وعشوائيته في ردود فعله، حتى تشرّد الشعب السوري الكريم والنبيل، واستشهد منه عشرات الآلاف، وقد كان بإمكان الاسد ان يكفينا هذا المأزق منذ البداية.
هجمة النواب قبل أيام جاءت لتقول للمحور السوري الايراني ان هناك موقفا جذرياً جديداً على خلفية مستقبل الملف السوري، وجاءت لتقول للمحور الآخر المعاند للنظام السوري ان طرفاً مهماً هو الأردن على مشارف خروج من حزمة المناوئين للنظام.
اغلبنا يرفض الهجوم على اللاجئين السوريين، لان لاذنب لهم في هذه المحنة، ولا نقبل ايضا ان نسيىء اليهم بذريعة وجود مئات الأفراد بين اللاجئين يقعون في اخطاء، لا يجوز سحبها على مليون سوري واهانتهم بلاذع الكلام، فيما نعنون حياتنا بالإسلام والعروبة، لكننا نقسو على اللاجئ في محنته، وكأننا كلنا ملائكة، فيما تعيش بينهم الشياطين.
بوصلة النواب كانت تعلن الخطر مما هو مقبل وآتٍ ، على صعيد الملف السوري قريبا،لان السيناريوهات المقبلة قد ترتد على الاردن وتهدد بنيانه وكيانه وأهله، ومن هذه الزاوية اعلن النواب عن سقف محدد يريده الأردن ولا يحتمل تجاوزه، نحو حرق المنطقة واخذنا الى حرب اقليمية-دولية عملياً.
ماجرى في العبدلي من انقلاب دفع السفراء الى الهرولة بإتجاه مجلس النواب، ما بين السفير السعودي الذي جاء محتجاً لاشارات مس السعودية على خلفية الملف السوري وهي اشارات لايقبلها أحد، لان الرياض تقف الى جانب الأردن تاريخيا، إلا أن تطاير شرر الكلام جاء على خلفية الملف السوري، وشمل ايضا دولة قطر التي حظيت بهجوم غير مسبوق، له ارتداده السياسي والاعلامي قريبا.
الأهم في زيارة السفير كان يتعلق بالرغبة باستجلاء الذي استجد على الموقف الأردني بسبب الملف السوري،لان لغة النواب اشهرّت وجها جديدا امام الملف السوري، وهذا يثير قلق كل العواصم الراغبة باسقاط النظام السوري.
في المقابل جاء السفير الايراني زائراً ومباركاً الى ذات البرلمان بعد زيارة السفير السعودي،وعلى ذات الارضية،إذ ان موقف النواب اثار شهوة الايرانيين والسوريين،لان موقف البرلمان جاء حادا ومهما وانقلابيا ويشي جزئيا بأرضية تحالف محتملة وان كان مشكوكا في قدرة الأردن على التحالف مع المعسكر الايراني السوري، لكنها محاولة ايرانية لتثبيت الحياد الأردني، في الحد الادنى.
هرولة السفراء الى البرلمان على خلفية الملف السوري تقول الكثير، خصوصا، بعد جلسة الملف السوري،والمؤكد انها اثارت ذعر عواصم من جهة، واسترخاء عواصم من جهة اخرى، وهكذا تتبدى المكاسرة الجارية في الشام، في مشهد محلي جزئي.
استقطابات جديدة إذن، والأهم ان نستبصر الفرق بين الموقف الفعلي، والموقف الوظيفي بين النواب،لان الفرق كبير بين الحالتين..أليس كذلك؟!.
maher@addustour.com.jo