فوضى المعارضة وفلتانها
لم تكن استقالة الشيخ أحمد معاذ الخطيب من رئاسة الائتلاف الوطني السوري المعارضة، أمراً مفاجئاً، أقله لمن يتابع عن كثب مجريات الجدل الداخلي في أوساط المعارضة، ولمن يتتبع ارتباطاتها وتشققاتها وتضارب أجنداتها وتداخلها..فالشيخ صاحب أول مبادرة عن المعارضة للحوار الوطني، عارض منذ البدء، فكرة إقامة حكومة مؤقتة، لأنها من وجهة نظره المُحقة، ستسهم في إحباط مساعي الحل السياسي والتوافق الدولي حول سوريا من جهة، وتكرس مشاريع تفتيت البلاد وتقسيم العباد من جهة ثانية.
الشيخ الذي بدا لوهلة، أنه رضخ للتيار الجارف داخل الائتلاف، لم يعد بمقدوره احتمال قيام “دول بعينها”، بتشكيل وإعادة تشكيل، مؤسسات المعارضة وفرض رموزها وشخوصها على “الكل السوري”، وهو أشهر باستقالته، تمرده على الاستخدام المّذل والمشروط، للمال الذي تقدمه “دول بعينها”، لتعزيز نفوذ المحسوبين عليها والمقربين من حساباتها المصرفية، ودائماً على حساب الشعب السوري وقضيته وقواه الوطنية والمدنية المخلصة.
استقالة الشيخ، جاءت متأخرة بضعة أيام عن موعدها..كنا ننتظر أن يشهر استقالته فور نجاح “دول بعينها” في فرض رئيس للحكومة الانتقالية من “خارج النص والسياق”، لا لشيء إلا لأنه “إخواني الهوى” ومقرب من دول معينة.
على أية حال، كان لاستقالة الشيخ، غير المفاجئة، وقع الزلزال على فريق من المعارضة وداعميه الإقليميين والعرب..سيما أنها جاءت في توقيت غير مناسب أبداً لهذا المحور، الذي بدا مشغولاً ومنهكماً في إنجاز ترتيبات تسليم مقعد سوريا في القمة العربية للمعارضة..وهو في الأصل (هذا المحور)، استعجل تشكيل الحكومة و”سلقها” توطئة للقمة واستباقاً لاستحقاقاتها.
وإذ تزامنت الاستقالة المدوّية للشيخ الخطيب، مع تضارب التصريحات الصادرة عن رئيس أركان الجيش السوري الحر ونائبه، حول الموقف من حكومة هيتو الانتقالية بين داعم بقوة ورافض بقوة أشد، فإن فوضى المعارضة وفلتانها، يكونان بلغا ذروة جديدة، مسبوقة ومتبوعة كما تشير كافة الدلائل، فهذا الجسم الذي ولد على عجل في الدوحة، وعلى يد قابلة قانونية غير محترفة، وغير معنية لا بالأم ولا بالمولود، جاء مشوهاً، وغير مرجو له أو منه شفاء، ما يعيد قضية المعارضة ووحدة صفوفها، إلى المربع الأول.
الشيخ علل استقالته بخذلان “دول بعينها” للشعب السوري ومعارضته، ومحاولاتها “السطو” على ثورته ومؤسساته ومستقبله، وهو بهذا محقٌ تماماً..لكنه أيضاً قال بأن الاستقالة ستفتح أمامه باب العمل بـ”حرية” و”استقلالية”، وهو ما لا يوفره الالتزام بمؤسسات بعينها..وهنا نتطلع لمبادرة يقودها شيخ المعارضة والمعارضين، للعمل على “لملمة شتات” المعارضة و”جمع شملها”، وعدم الاكتفاء بالتطلع صوب فريقٍ منها دون الآخرين.
لدى الشيخ والمعارضة اليوم، فرصة تاريخية لإطلاق مبادرة جديدة (القاهرة 2) لتوحيد المعارضة في الداخل والخارج، أو على الأقل، جمع تيار عريض ومتنوع منها، في صفوف جبهة وطنية متحدة، تُعلي من شأن استقلالية القرار السوري، وتضع حداً لتدخلات بعض عواصم الإقليم ، في شؤون المعارضة السورية.
لدى الشيخ اليوم، سانحة لـ”كشف المستور من طوابق لعبة الأمم” في سوريا، أقله لفرز الغث من السمين في صفوف المعارضة وأوساطها..لدى الشيخ فرصة سانحة لاستنهاض “روح الوطنية السورية” التي تكاد تأتي عليها الريح المذهبية والطائفية السموم..لدى الشيخ فرصة لإخراج سوريا من “البازار” المفتوح على المناقصات والمزايدات الإقليمية والدولية.
لن أقول: إن استقالة الشيخ، توفر فرصة للنظام لالتقاط اللحظة السياسية (التاريخية إن شئتم)، فهذا النظام اكتسب خبرة فريدة في تضييع الفرص، ودخل موسوعة “جينيس” للأرقام القياسية في هذا المجال، وهو ألد عدو لنفسه كما سبق وأن قلنا مراراً وتكراراً..بيد أنها ستوفر لمن ما زال يتوفر على “ذرة وعي وضمير” في النظام، لالتقاط فرصة إنقاذ سوريا وإخراجها من قعر “حفرة الانهدام” التي اندفعت (أو دُفعت) إليها.