الى الاصدقاء الصينيين :تريثوا قبل
جاءت مبادرة الصين للتوسط بين نظام بشار الأسد والمعارضة السورية متأخرة نحو خمسة أعوام بأيامها ولياليها وحقيقة أن الحكمة القائلة: «أنْ تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً» قد لا تنطبق على هذه الحالة فالأزمة السورية لكثرة الأيدي التي امتدت إليها, إنْ خيراً وإن شراً, باتت أكثر تعقيداً من ذنب الضب ولهذا فإنه على الأصدقاء الصينيين, الذين يحظون هم وبلدهم وتجربتهم وتاريخهم العظيم باحترام كبير من قبل العرب كلهم, أن تكون حساباتهم بالنسبة لهذا الأمر دقيقة جدَّاً وأنْ يتجنبوا الفشل بقدر الإمكان لأن أي فشل لهم بالنسبة لهذا النزاع المعقد سيؤذينا ويؤذيهم على حدٍّ سواء !!
نحن نعرف أن الصينيين مثلهم مثل العرب يطربون للأمثلة الحاذقة الجميلة ولذلك فإنهم بالتأكيد يعرفون ذلك المثل… العربي الذي يقول: «إذا كثُر الطباخون فإن الطبخة ستشيط», أي ستحترق ويقيناً أنهم يعرفون أن أيدي كثيرة قد امتدت إلى هذه الأزمة التي لولا ضيق أفق هذا النظام ولولا رعونته ونزعته الاستبدادية الموروثة لكان بالإمكان حلها وهي لا تزال في البدايات أي عندما بدأت احتجاجات ربيع سورية العربي في عام 2011 بتظاهرات سلمية ما لبثت أن تحولت صدامات ومذابح جماعية لأن المقربين من بشار الأسد أقنعوه بأن هذا الشعب لا تنفع معه إلَّا القوة ولذلك فإن عليه أن يفعل ما فعله أبوه في حماه عندما لجأ إلى القوة المدمرة لإخماد انتفاضتها عام 1982 وكانت الحصيلة قتْل وجرْحِ نحو أربعين ألفاً من أهلها ودماراً لا تزال آثاره في هذه المدينة الباسلة واضحة حتى الآن.
هناك الآن التدخل الروسي الذي تحول إلى احتلال عسكري وإلى قواعد عسكرية وإلى حرب مدمرة يبدو أنها ستأخذ روسيا في النهاية إلى الغرق في المستنقع السوري كما غرق الاتحاد السوفياتي في المستنقع الأفغاني وكان أنْ انتهى تلك النهاية البائسة ثم وهناك الآن التدخل الأميركي والتدخل الفرنسي والبريطاني والألماني والتركي والعربي والإيراني وبالطبع والإسرائيلي مما يعني أنه على الصين أن تتريث كثيراً قبل أن تقدم على هذه الخطوة وأن تضمن سلفاً ألَّا تكون «وساطتها» ككل هذه الوساطات التي بادرت إليها كل هذه الدول الآنفة الذكر ولكن بدون أي نتيجة .
لنفترض أن نظام بشار الأسد الذي لا يعترف بكل هذه المعارضة المعتدلة وغير المعتدلة والمسلحة وغير المسلحة قد قبل بالوساطة الصينية وأن «المعارضة» قبلت بها أيضاً فهل بالإمكان يا ترى أن يجلس هؤلاء جميعهم حول مائدة مفاوضات واحدة طالما أن لغة الحوار والتفاهم غدت معدومة بين الطرفين وطالما أن الحد الأدنى الذي يتمسك به كل طرف هو إزالة الطرف الآخر والقضاء عليه بصورة نهائية ؟!
إن المؤكد أن الصين هذه الدولة المحترمة المُتابعة متابعة دقيقة لكل شؤون هذه المنطقة وشؤون العالم بأسره تعرف أن هناك: «(جنيف1) و (جنيف2) وفيَّنا الأولى وفيَّنا الثانية وأن هناك مؤتمر نيويورك وقرارات مجلس الأمن الدولي الأخيرة.. وأنَّ الأوضاع في سورية بعد كل محطة من هذه المحطات بقيت تزداد تعقيداً وأن الرئيس فلاديمير بوتين مصمم على تثبيت أقدامه في هذا البلد العربي ومصمم على الاحتفاظ ببشار الأسد حتى نهاية ولايته الحالية وربما أيضاً حتى نهاية ولاية ثالثة .
إنه على الصين التي لا بد من احترامها واحترام وساطتها وجهودها الخيرة أن تدرك أن المصالحة وأي مصالحة بين هذا النظام وبين المعارضين له باتت ليس مستبعدة وفقط بل مستحيلة وأن نجاح ولو الحد الأدنى من بنود قرار مجلس الأمن الأخير يبدو بعيداً بعد الأرض عن السماء ولهذا فإنه على كل محب لهذا البلد العريق, الذي قال نبينا العظيم محمد صلوات الله عليه لأمته: «اطلبوا العلم ولو في الصين», أنْ يدعو الأصدقاء الصينيين إلى التريث كثيراً وأن لا يقدموا على أي خطوة تجاه هذه الأزمة السورية المعقدة والصعبة إلا بعد حسابات دقيقة وبعد ضمان النجاح سلفاً.. وحقيقة أنه من المستبعد والمستحيل ضمان أي نجاح والأوضاع في هذا البلد العزيز هي على ما هي عليه الآن !!