ماذا بعد الحكومة الانتقالية في سوريا؟!
حين تندد كلٌ من إيران وروسيا بتشكيل حكومة انتقالية من قبل الائتلاف الوطني، فذلك يؤكد أننا إزاء خطوة في الاتجاه الصحيح، إذ لا يتوقع من هذين الطرفين اللذين يواصلان تقديم الدعم والغطاء لجرائم بشار الأسد إلا أن يكونا في المربع الذي يخدم بقاءه في السلطة بأي ثمن كان.
بعيدا عن أي كلام حول شخصية رئيس الحكومة، وما إذا كان من الداخل أو الخارج، فإن النتيجة هي نجاح الائتلاف بعد مداولات طويلة في تحقيق ما يشبه الإجماع على الرجل الذي يبدو من العبث حشر اختياره في هويته الشامية والكردية في آن، مع أن ذلك ليس هامشيا لجهة إصرار المعارضة على نفي أية أبعاد طائفية أو عرقية للثورة.
سيرة الرجل تؤكد أنه إنسان ناجح ينتمي إلى سوريا كوطن لكل أبنائه بعيدا عن الحساسيات العرقية والطائفية، وهو حين ذكر بأن ابنه يقاتل مع الثوار، فقد كان يفعل ذلك تأكيدا على انتمائه الحقيقي للثورة، وليس شيئا آخر.
أيا يكن الأمر، فهي مجرد حكومة انتقالية، وهذه ثورة حرية وتعددية، وليست انقلابا عسكريا سيسطر أناس بعينهم على البلاد بعده نجاحها، إذ لن يمضي وقت طويل حتى يختار الناس ممثليهم بحرية كما حصل في ليبيا.
نحتفل بهذه الحكومة لأن تشكيلها ينطوي على تمرد على إرادة بعض القوى فرض الحوار مع بشار على المعارضة، الأمر الذي لا يعني غير إعلان هزيمة الثورة، فهنا في الحالة السورية لا يمكن الحديث عن معادلة لا غالب ولا مغلوب، لأن بلدا تسيطر على مؤسسته الأمنية والعسكرية أقلية يتصدرها رئيس يقتل شعبه لا يمكن أن يدخل مرحلة تعددية حقيقية بأي حال من الأحوال، حتى لو جرى تعيين الشيخ معاذ الخطيب أو غسان هيتو رئيسا للحكومة، فضلا عن مجرد حكومة مشتركة بالتوافق بين النظام والمعارضة.
وتزداد أهمية تشكيل الحكومة الانتقالية بعد الموقف الأمريكي الذي عبر عنه جون كيري حين طالب بجلوس المعارضة مع بشار الأسد من أجل التوصل إلى تسوية، رغم عودة أوباما إلى حديث التنحي أثناء زيارته لتل أبيب، الأمر الذي يعني صفقة على حساب دماء السوريين وثورتهم تصب لصالح الكيان الصهيوني أكثر من أي طرف آخر، ربما إلى جانب إيران التي ستقبل حينها التخلي عن مشروعها النووي مقابل رفع العقوبات التي تهدد البلاد بثورة شعبية تطيح بحكم المحافظين، في ذات الوقت الذي تهدد بضرب مكاسب إيران في العراق بشكل خاص بعد حراك العرب السنة هناك، مع قدر من لجم هيمنة حزب الله على لبنان.
الآن، يمكن القول إن بديل بشار الأسد لم يعد مجرد كتائب متناثرة، بل كيان سياسي واضح، يمكن للدول أن تشرع في الاعتراف به تباعا، لاسيما بعد حصوله على مقعد سوريا في الجامعة العربية، ومن ثم اتساع نطاق الاعتراف الدولي به.
لا يتوقف الأمر على البعد السياسي، فالحكومة ستباشر بعض المهمات الحيوية في المناطق المحررة، في ذات الوقت الذي قد تقوم فيها بدور المنسق للعمليات العسكرية من أجل إنجاز عملية الإطاحة بالنظام.
من المؤكد أن هذا البعد ينبغي أن يتقدم على أي بعد آخر، فهذه الحكومة ينبغي أن تخطط بعناية لمعركة دمشق الحاسمة بأقل قدر من الكلفة الإنسانية والعمرانية، وينبغي أن تتواصل مع الناس من أجل أن يبادروا إلى شكل من أشكال الاحتجاجات التي تربك النظام وتسرّع إسقاطه، مع نقل أعداد من المقاتلين في الأرياف إلى محيط دمشق، أو اختراقها من الداخل.
مهمات جسام تلقى على عاتق الحكومة وعموم الائتلاف والقوى الوطنية، ومن الضروري أن يجري تجاوز الحساسيات القائمة في سياق ترتيب أوراق المعركة النهائية، لاسيما إذا نجحت في تحسين مستوى التسليح، الأمر الذي يبدو ممكنا في ظل بعض التسامح الغربي، وفي ظل شعور تركيا وبعض الدول العربية بضرورة الحسم السريع للمعركة بعد أن طالت كثيرا.
في أي حال، يمكن القول إننا أمام خطوة مهمة وحيوية ينبغي أن تشكل محطة، ليس فقط في اتجاه نزع ما تبقى من الشرعية السياسية للنظام، بل أيضا من أجل إسقاطه بشكل كامل.