جريمة باريس ..من هو المستفيد؟؟
حتى بعد مرور كل هذه الفترة, التي لا تعتبر قصيرة بحكم أننا بصدد مسألة على كل هذا المستوى من الخطورة, فإنه لا بد من التساؤل عن المستفيد الحقيقي من هذه الجريمة التي ارتكبها «داعش» في باريس والتي استدعت كل هذا الاستنفار العالمي والتي جعلت دولاً كبرى تغير أولوياتها وتعيد النظر بتحالفاتها وهذا ينطبق أوَّل ما ينطبق على فرنسا الدولة التي دفعت ثمناً غالياً من أرواح أبناء شعبها في ذلك اليوم الأسود المرعب حقاً .
كان الروس قد انقلبوا في (جنيف 2) على (جنيف 1) وذلك للتهرب مما كان قد تم الاتفاق عليه لحل الأزمة السورية, وفقاً لمرحلة انتقالية لا مكان لبشار الأسد لا فيها ولا في ما بعدها تديرها هيئة أو حكومة وحدة وطنية إلى حين إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية تحت إشراف دولي, وكانوا, أي الروس, قد طرحوا أن الأولوية يجب أن تكون لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه وهم بقوا يتمسكون بهذه الحجة مع اعتبار أن هذا الإرهاب هو المعارضة السورية وتحديداً المعارضة «المعتدلة» وليس لا «داعش» ولا «النصرة» .
ولهذا فإن ما جرى في باريس في ذلك اليوم المرعب الأسود قد عزز وجهة نظر تحالف روسيا وإيران ونظام بشار الأسد وجعل بعض الدول المعنية تعيد النظر بتقديراتها السابقة قبل وبعد (جنيف 2) وتعيد النظر أيضاً في فيينا الأول وفيينا الثاني وحقيقة أنَّ ضربة «داعش» الدامية في العاصمة الفرنسية قد أصابت حتى كبار المسؤولين الفرنسيين بالارتباك وجعلت بعضهم ينسون مواقفهم السابقة ويتحدثون عن إمكانية الاستعانة بجيش النظام السوري للقضاء على «داعش» لكن هؤلاء ما لبثوا أن أدركوا خطورة ما قالوه فبادروا إلى تغيير موقفهم واشتراط أن تكون أي استعانة بهذا الجيش متوقفة على رحيل الأسد أولاً وخروجه من الصورة السورية نهائياً.
هناك مثل معروف يُقال ويتم ترديده بعد كل حادث بحجم جريمة باريس أو أكبر أو أصغر منها.. إن هذا المثل يقول: «قُل لي من المستفيد أقول لك من هو الفاعل الحقيقي», وهنا وبدون أي اتهام, فإنَّ ما مِنْ المفترض أن هناك، إن ليس اتفاقاً فتوافقاً، على أن المستفيد من هذه الجريمة المرعبة التي أدانها العالم كله هو: أولاً بشار الأسد وثانياً روسيا الاتحادية وثالثاً إيران ورابعاً الأتباع والأعوان من حزب الله اللبناني إلى باقي التشكيلات والشراذم التي جرى استيرادها من دول كثيرة ومتعددة, بعيدة وقريبة, للمشاركة في ذبح الشعب السوري وتدمير سوريا .
لقد سارع بشار الأسد بعد تلقيه نبأ وقوع جريمة باريس إلى تنفُّس الصعداء, كما يقال, فهي عززت مقولة إن الأولوية هي للقضاء على «داعش» وعلى الإرهاب وليس لرحيله هو وإسقاط نظامه وهذا ينطبق بالطبع وبالتأكيد على الروس وعلى الإيرانيين فروسيا سارعت إلى مضاعفة حجم ونوعية تدخلها العسكري في سوريا والرئيس فلاديمير بوتين وصلت به نشوة «التفوق» بعد مذبحة العاصمة الفرنسية إلى حدِّ اتهام تركيا بأنها أسقطت الـ (سوخوي24) الروسية لحماية تهريب النفط لحساب هذا التنظيم الإرهابي الذي يطلق على نفسه وزوراً وبُهتاناً اسم: «الدولة الإسلامية» !!
لقد كانت حجة الروس ضعيفة ومتهالكة وغير مقنعة حتى للمؤلفة قلوبهم عندما طرحوا في (جنيف2) أن الأولوية يجب أن تكون ليس لإزاحة بشار الأسد وترحيله وإنما للقضاء على الإرهاب أما بعد كُلِّ ما جرى في باريس في ذلك اليوم الأسود فإنهم باتوا يشعرون بإحراز انتصار هائل لابد من استثماره وكل هذا وقد بادر بشار الأسد بدوره إلى إعلان أنه لا عملية سياسية إطلاقاً لحل هذه الأزمة قبل سيطرة جيشه على كل الأراضي السورية وقبل القضاء على الإرهاب وبالطبع فإن المقصود هنا هو المعارضة.. وتحديد المعارضة (المعتدلة) .