النمر الاطرم
تقول الحكاية إن صراع البقاء كان على أشده في الغابة، ولا لغة تعلو على لغة الافتراس والمطاردات، الأسود تطارد الغزلان، النمور تطارد الجواميس، الذئاب تطارد الخراف، الأرانب تهرب من الثعالب وهكذا.. ذات يوم سمع سكان الغابة لحناً جميلاً في المساء.. هدأت واسترخت واستراحت وأوقفت القتال.. وبعد دقائق اقترب من عرين الأسد غزال أنيق على ذراعه آلة الكمان، يعزف ما يحلو له ويطرب المسامع.. يوماً بعد يوم، صار من عرف الغابة أن يتجمع كل سكانها، خصوماً وأصدقاء، للاستماع إلى عزف الغزال الليلي، وفي نهاية السهرة يذهب كلٌّ منها إلى وكره أو بيته أو مرعاه.
ذات يوم حضر الجمهور ولم يحضر الغزال، انتظروه حتى منتصف الليل فلم يحضر، غاب في اليومين الثاني والثالث، فقلق الأسد وبعث بكلاب الأثر تبحث عن الغزال المسالم، وبعد تقصٍّ طويل، وجدت بقايا عظام الغزال ووبر ذيله تحت شجرة ضخمة، هرول الباحثون نحو الأسد، وأخبروه بمصير الغزال.. هزّ الأسد رأسه، قائلاً: «وهاي شواربي..ما أكله الا النمر الأطرم»!.
***
ما حدث في باريس ليل الجمعة يشبه فعلة «النمر الأطرم»، بعد ألف محاضرة في الغرب، تتحدث عن التسامح وقرب الشرق من الغرب، وبعد استقبال مئات آلاف اللاجئين السوريين، في الوقت الذي أغلقت فيه «بلاد العرب» الأبواب في وجوههم، وبعد محاولات كثيرة لتبييض الصورة العربية، ووضع الإسلام الحقيقي بين أيديهم، يأتي «نمر الإرهاب الأطرم»، ويأكل كل غزلان السلام والمحبة والتحضر، التي كانت تجمع بين الخصوم والأصدقاء.
كم سنحتاج من سنوات حتى نمحو ما حدث في ساعة؟!.. كم سنحتاج من سنوات حتى نقنعهم بأننا ضحايا مثلهم؟!.. كم سنحتاج من السنوات حتى يشعروا بأن اللباس العربي للمرأة المسلمة ليس إرهاباً، ولغتنا العربية المليئة بالحب والكرم والحياة أوسع بكثير من «بيان لداعش»، وأن أسماء أولادنا (علي ومحمد وعبد الرحمن) ليست مشروعات إرهابيين على شريط الأخبار؟!..
كم سنحتاج من سنوات حتى نقنعهم ان سلاحنا «الكلمة الحسنة» وليست الحزام الناسف…كم سنحتاج من السنوات حتى نقنعهم بأننا أمة لنا حضارة، وفينا من الأطباء والمخترعين والرياضيين والفنانين والناس البسطاء، الذين لا يحلمون إلا بالسلام وكفّ يد الشرور و»الغرب» عنا؟!.
كم سنحتاج من سنوات، حتى نثبت أن كلمة «عرب» ليست رديفة لكلمة «رعب» على الإطلاق؟!.