إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، رواه مسلم،
من المعروف أن الإنسان إذا مات فإنه ينقطع عمله لأنه مات, والعمل إنما يكون في الحياة إلا من هذه الأمور الثلاثة لأنه هو السبب فيها الصدقة الجارية وهي الخير المستمر , مثل أن يوقف الرجل بستانه على الفقراء أو يوقف عقاره على الفقراء, فإن الفقراء ما داموا ينتفعون بهذا العطاء أو ينتفعون بثمرة هذا البستان فإنه يكتب له وهو أجر حاصل بعد موته لكن هو السبب في إيجاده.
والثاني العلم الذي ينتفع به بأن يعلم الناس ويدلهم على الخير وعلى فعل المعروف فإذا علم الناس وانتفعوا بعلمه بعد موته فإن له أجرهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء, لأن الدال على الخير كفاعل الخير وهذا دليل على بركة العلم وفائدته في الدنيا والآخرة .
وأما الثالث وهو الولد الصالح الذي يدعو له بعد موته, فلأن الولد من كسب الإنسان وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث (أو ولد صالح يدعو له), لأن غير الصالح لا يهتم بنفسه فلا يهتم بأبيه أو أمه وفيه إشارة إلى أنه من المهم جداً أن يربي الإنسان أولاده تربية صالحة حتى ينفعوه في حياته وبعد مماته .
والان سنتحدث بالتفصيل عن صدقة العلم والمعلم والعلماء في الدنيا وبعد الموت .
المعلم هو رسول يودي رسالته على الارض, يعلم الناس المنهاج التربوي السليم الذي يتكون من المعرفة والوجدان والمهارى, في المجال المعرفي يعلم من مفاهيم وحقائق ومبادئ وقوانين ونظريات وفرضيات علمية , يعلمهم القراءة والكتابة والرسم, ويغرس في نفوسهم الايمان بالله وملائكته ورسوله واليوم الاخر, ويعلمهم الشجاعة وحب الوطن والدفاع عنه, ويعلمهم الوحدة العربية الإسلامية والعادات العربية الاصيلة ليعمل به ويظهر خيرة على الناس , فهذا هو الاجر والصدقة الجارية للمعلم بعد الموت, ويبقى اثرها الى يوم القيامة يجنى المعلم الميت الاثر والثواب في القبر , وينعم بصدقة العلم .
وكذلك المعلم يعلم الجانب العاطفي الوجداني والاخلاقي والقيمي , فيعلمهم الاخلاق الحميدة من صدق وامانة واحسان ورفق وتعاطف وتعاون وتواصل واحترام النفس واحترام الغير, فيصبح انسان سليم صحيح معافا من الجانب الروحي والإيمان, وانسان اجتماعي ميسر يصلح بين الناس ويعمر ويبني الاخلاق بينهم , فيصبح مجتمع متراص كأنه بنيان مرصوص, ويبقى اثر الصدقة ونعيمها بعد الموت.
المعلم يعلم الجانب المهارى الحركي, يعلم المهنة والحرفة والعمل وإتقانه, يعلم مهنة النجارة والصناعة والزراعة والتمريض والطب وفنون الطبخ ,وفنون التعامل مع البشر وترويض الحيوانات , يعلم الرياضة والسباحة والحركات البهلويه , ويعلم السواقة والرماية وركوب الخير والطائرات والسيارات, ويعلم فنون الرقص والغوص في البحار والمحيطات وفنون القتال والحرب والسلم ,يعلمهم بناء الجسور والسدود وناطحات السحاب وغزو الفضاء والسير بسرعة الضوء, ويعلمهم ان العالم اصبح قرية صغيرة بين يديك تنتقل وتتسوق من خلال الأنترنت.
كل هذه العلوم جاءت على يد المعلم في المدرسة او في الجامعة , وجاءت بفعل العلم والعلماء قال تعالى :{… إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء …. }فاطر28,فكم هي صدقة واجر هؤلاء المعلمين والعلماء الذين عمرو الارض واستخلفوها , وجعلوا رفاهية انسان القرن الحادي والعشرين , فيشرب الماء البارد من الكولار في فصل الصيف بينما كانوا ملوك الامم السابقة يشربونها من وعاء الحجر او جلد الحيوان .
لو ان قارون وفرعون عادوا الى هذا العصر وراوا النعم التي نعيش بها فماذا يقولون عن انفسهم , لو راي قارون بطاقة الصراف لآلي لتي توضع في الجيب وتحمل ملايين الدنانير, ماذا سيقول عن عصبة الرجال الذين كانوا يحملون مفاتيح الخزائن ,ولو قارنا النعم والرفاهية الموجودة الدنيا مع الجنة فهي لا تذكر ,فيا رب ارزقنا الجنة.
والمعلم يرى صدقته في الدنيا قبل الاخرة , فيرى الطبيب الذي علمة يعالجه في كبره, ويرى البناء يبني له البيت , والفلاح يحرث له الأرض ويطعمه من رزقها , ويرى محاسب البنك يصرف له راتبه , والجندي الذي يحرس له الحدود ويحميه من الاعداء ,القاضي يحكم بالعدل بين الناس , ويرى المهندس يهندس الطرق والجسور والسدود , ويرى ………
وبعد الموت تكون الصدقة الجارية المتدفقة المتزايدة, فبعدد الطلاب الذين علمتهم القراء ة ويقراون القران لك الاجر والثواب الى يوم الدين, فكم عالم او داعية تخرج من تحت يديك, كم قارئ للقران تعلم تحت يديك, كم طبيب تخرج من تحت يدك ويعالج الناس ويعيد الحبأة لهم , فالطبيب يعيد الحياة للمريض وانت ايها المعلم تعيد الحياة للامة كاملة وهذا هو الاجر والثواب بعد الموت ان شاء الله , قال تعالى :{عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }العلق5, وقال تعالى :{..ِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }الزمر9